صرخة الولادة
في برزخ الانتظار.. في المرحلة الانتقالية بين موت القديم وولادة الجديد، ورغم كل آلام المخاض ثمة ثقافة جديدة تتكون، ثقافة يُعبِّر عنها المسيح السوري الجديد المعلق على صليب ثقافة الفضاء السياسي القديم وثنائياته التي ذبحت الحقيقة بسيف البروباغندا، أو غيّبتها في زنزانة الذرائع.
المسيح الذي يتجلى في روح أنثى تحترق كشجر الزيتون في إدلب، أو سنبلة ظمأى على ضفاف دجلة والفرات، أو إحدى شقيقات موجة مخطوفة في الساحل..
«كفى عنفاً» هي صرخة الولادة لهذا المولود الجديد، صحيح أن هذه الثقافة الجديدة لا تقدم لنا بقوالب نظرية، وبمصطلحات تراعي «البريستيج الثقافي» لروّاد صالونات الأزمة، ومراكز أبحاث بيزنس «الثورة»، ولكنها بالتأكيد ثقافة الـ«أنا» السورية منذ «بعل» وحتى آخر الآلهة المغدورة في مخيمات اللجوء بمضارب «أبناء العمومة»، هي ثقافة الوجدان السوري الجمعي..!
صرخة الولادة هذه.. هذا «الحديث القدسيّ» الذي أوحت به التجربة الملموسة للأغلبية الشعبية في سورية في رحم أزمة توشك أن تحول البلاد إلى هشيم، لاتنتمي إلى طائفة بعينها، أو دين أو قومية أو نظام أو معارضة، ولا إلى ظروف الأزمة فقط بل تؤسس لوعي ثقافي جديد تواكب عملية التغيير الجذري القادمة بالضرورة.
إن الثقافة الوطنية السورية الجديدة، يجب أن تقطع مع كل ما أصاب الوعي الوطني من علل سواء تلك التي أفرزها نمط الوعي الذي طفا على السطح في ظل سيادة عقلية المجتمع الاستهلاكي، أو ما أضافته وعززته التطورات المأساوية في الأزمة الوطنية، وخصوصاً موضوعا الانتماء والهوية.
هذا الاعتلال في مسألتي الانتماء والهوية لم يهبط من السماء، بل هي خلايا سرطانية فتكت بالجسد السوري، وهي ظلال الفساد الذي فعل فعله الاجتماعي، وخصوصاً بعد استقدام النموذج الليبرالي الذي يعتبر بيئة حاضنة لكل التشوهات، لينتج البنية الثقافية المتوافقة معه، ويخلق «ردّة» في بعض الأوساط نحو انتماءات ما قبل الدولة الوطنية، وليتسبب تالياً بنكوص في مسألة الانتماء الوطني. ومع تأكد أن تلك المقدمات الاقتصادية استنفدت دورها، فإنها وبتغييرها الحتمي ستأخذ معها كل توابعها التي أسست لثقافة اللاانتماء.