الدماء الملطخة بالأيدي
بعد نهار حزيراني طويل وملتهب، لا يعود طوله والنهابة، إلى لا عقلانية الطبيعة وعشوائيتها، بقدر ما يعود إلى لا إنسانية بعض بني البشر ووحشانيتهم.. في قرية من جنوب غرب سورية، تتوسد الكتف الأنسي من «اللجاة» اجتمعت أسرتان جارتان في منزل إحداهما.
راح أفراد الأسرتين، يتبادلون الآراء والأفكار والتساؤلات في رغبة ضمنية مشتركة منهم لتخفيف وطأة القلق والتوجس الجاثم على القلوب واستجرار جرعة تطمين تساعد العيون والظنون على بعض الخدر والهجوه ثم النوم.
قالت «أم ريان» معلقة على المرسوم الجمهوري، الذي سمعوه للتو، من على شاشة الفضائية السورية:
قالت، ها هو النظام، وللمرة كذا، يصدر مرسوماً بالعفو، عن كل من لم تتلوث يداه بدماء السوريين، على أن يسلم نفسه في الفترة المحددة، ويتعهد بعدم الرجوع ثانية إلى ما فعل. فماذا تريد المعارضة أكثر من ذلك؟
رد عليها أبو ريان:
صحيح أنها فرصة لمن غرر به من المعارضة، والآن يريد العودة إلى جادة الصواب. فهذا محمود ومفهوم.
لكن ما ليس محموداً ولا مفهوماً ولا مهضوماً بالنسبة لي هو العناوين العريضة والتعابير الفضفاضة:
«لم تتلطخ أيديهم بدم السوريين»
بربكم يتابع أبو ريان ماذا تستخلصون من هذا الكلام؟
هل هم المخططون للعمليات الإرهابية؟
أم الذين يصدرون لهم الأسلحة وينقلونها؟
هل هم الداعمون للإرهاب ومغطوه إعلامياً وفمولوه؟
أم لعل المقصود بالعبارة، هم القتلة أنفسهم، في حال قضوا على ضحاياهم عن بعد، ولو بمسافة لا تتجاوز طول الساطور.
ويتختم أبو ريان:
أنا شخصياًن أحترم جميع سيئي النية والعقل والذكر، الذين سميتهم أعلاه. وأضيف إليهم، كل من رأى أو سمع أو علم بإرهاب ما، وبقي محافظاً على «اتزانه وتوازنه» ولم يفه ببنت حق.
يصمت أبو ريان لحظات، متابعاً ردات فعل من حوله، عبر أعينهم وقسمات وجوههم، لتسأنف:
هذه العبارة كلها على بعضها، لم تنزل لي في زور لأنها خطأ بخطأ «معنى ومبنى ولغة» فدماء الشهداء هي التي تتلوث بالأيادي الأثمة للقتلة، وليس العكس!
تلاقي مداخلة أبي ريان صدى حميماً، عند أم شادي، صاحبة البيت التي تعبر عن استحسانها بالقول:
يسلم «يمك يا أبا ريان... الإنسان إما يكون هكذا.. واضحاً قاصماً وصريحاً. وإما بلاه وبلا عيشته.
وتحرك مرافقة أبي ريان ولا «فزعة» أم شادي «شرشاً» حامياً، في مكان ما لدى أبي شادي، الذي قام يوزع كاسات الشاي فيوزع معها، كؤوس امتعاضه، مترعة بمقولات شبة جاهزة، اعتاد تردادها، من مثل:
الحقيقة، أن بعض الناس، لا يعجبهم العجب ولا الصيام برجب، فتراهم، بفارغ الصبر، يتسقطون هفوات الحكومة... وبالسراج والفتيلة «يبحبشون» عن أخطاء النظام بل والأنكى من هذا وذاك، يتعمشقون على القطوف الحامضة، فلا يكتفون بنقد الأخطاء والمخطئين وزعامة المسؤولين بل يخرقون الخطوط الحمر أيضاً.. والله يا جماعة «الحكم ملح الأرض»!
على وقع الانفجارات الآتية مع الريح الغربي، من اللجاة، وأصل الجيران سهرتهم حيث صار للأسئلة طعم المقاضة، وللأجوبة طبع الأحكام وقد خيم الحزن والأسى على المكان، بمن وما فيه. حتى مجاراة البازلت في السقف والحيطان والقناطر. كمان يسمع رجع أنينها ألماً، على تشظي أمهاتها من الصخور توافق الجيران على أن ثمة خطوطاً حمراء لدى كل دولة، ولا خير من وجودها، شرط ألا تتكاثر تلك الخطوط، لتصبح شبكة عنكبوتية، تكتم على أنفاس الناس، ويتعثرون بها، أينما حلوا وكيفما تحركوا. كما تألف الحضور، على صحة المثل القائل: الحكم ملح الأرض.
أي أنه ــ اي الحكم ــ يلزم المواطنين، لزوم الملح للطعام. شرط ألا يزيد الأول عن نسبة معينة، فيتحول لـ «سر ملح» وتفسد الطبخة!