جائزة «كان» العربية مشوهة....
جاء مهرجان «كان» هذا العام بدورته الـ 66 في خضم الريح التغييرية وحركة المد الثوري الجديدة والتشنجات السياسية التي تطرأ على العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص.
واعتبر المهرجان ناجحاً نوعاً ما هذه السنة إلا أن بعض الإشكاليات قد يمكن أن تطرح لخصوصية هذه المرحلة التي يمر بها العالم.
وكيف للسينما (كأحد أهم طرق التعبير الثقافية عن حركة تطور المجتمعات وأزماتها) أن تكون ملتصقة بروح المجتمع الجديدة.
انبهر الإعلام هذا العام بحصول السينما العربية على السعفة الذهبية بعد انتظار دام 38 عاماً، بعد الجائزة التي أحرزها في ذلك الوقت عام 1975 المخرج الجزائري الكبير محمد لخضر حامينا عن رائعته «وقائع سنين الجمر»، فيلم السنين التي ما قبل الثورة الجزائرية على الاحتلال الفرنسي.. سنين الجوع والفقر والعطش إبان الجفاف وخلال الحرب العالمية الثانية..
الفيلم الذي أحرز الجائزة هذه السنة، هو أيضاً من المغرب العربي للمخرج التونسي عبد اللطيف كشيش، ولكن للمفارقة بين فيلم ضد الاحتلال الفرنسي يتوج في مهرجان «كان»الفرنسي عام 1975، وفيلم كشيش الذي يطرح علاقة حب مثلية عاصفة بين مراهقتين في المجتمع الفرنسي، الموضوع الحساس في ظل المظاهرات التي تشهدها فرنسا اليوم من اليمين ضد قرار الزواج المثلي.
أهدى كشيش نجاح هذا الفيلم للشباب التونسي ولـ«ثورته وطموحه بالحرية» قائلاً: «أهديه إلى الجيل الجديد من شباب العالم المتطلعين إلى الحرية والانعتاق»، وضج الإعلام بالتهليل لهذه الأفكار ووصف النقاد هذا النجاح بـ «سعفة الحرية»...
ما سبق أثار أسئلة كثيرة منها: هل تكمن «الحرية المهداة للشباب الثائر» في تقبل مرض اجتماعي كالمثلية الجنسية، وتقبّل التشوهات الاجتماعية بدلاً من البحث عن توصيف جذر المشكلة وإيجاد حلول حقيقية لها؟
هل سيكون هذا الطرح الأقرب للشعب التونسي الذي خرج لأسباب سياسية اقتصادية واجتماعية بحتة، وخاصة بعد التوجهات النيوليبرالية الجديدة؟
وما مدى قرب هذا الفيلم من المجتمع العربي بعد 38 عاماً من انتظار العرب في مهرجان «كان» وهل السينما تبتعد عن المجتمع الذي خلقت كأداة تعبير عنه؟!.
بالمقابل تتضح محاولات تأطير القضايا العربية وتحديدها في المهرجان، ففيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد مخرج «الجنة الآن» لم يرشح للدخول في المنافسة على السعفة الذهبية رغم أهميته وقدرته، وهو يحكي معاناة الشعب الفلسطيني مع جدار الفصل العنصري وخيارات المقاومة المحتومة؟!!.
ومن جهة أخرى يقود المهرجان لجنة يرأسها المخرج ستيفن سبيلبرغ أغنى وأقوى رجل في صناعة الأفلام الأمريكية، وعلى رأسها فيلم «لائحة شندلر»، أهم الأفلام المروجة للمحرقة اليهودية..!!
والمخرج سبيلبرغ يعتبر من أعمدة اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة، وواجهته الأساسية في هوليود.
كيف لنا أن نترجم وجود ستيفن في «كان» واختيار فيلم عن المثلية الجنسية لمخرج عربي تونسي تحديدًا للسعفة الذهبية في هذه المرحلة التي يشكل فيها الشباب العربي طريقه للتوجهات السياسية الجديدة التي تمثله للتغيير؟
ربما من الأفضل أن نعترف أن هذا الفيلم كان فرنسياً أكثر منه عربياً، ونخفف من حدة البهجة التي تناول فيها الإعلام العربي نجاحه، ومن المبكر أيضاً نقد الفيلم إذ إنه لم يخرج إلى الصالات بعد ولم يشاهد، ولكن النقاد في كان اختلفوا في توصيفه من اعتباره فيلماً إباحياً إلى وصفه بأفضل قصة حب قد تمر في تاريخ السينما!!.
والمبالغة واضحة في الاتجاهين.
ربما لا تهم تحليلات النقاد البعض، ماهو مهم فعلاً للجميع، ويستحق التساؤل: من المسؤول اليوم في هذه الاحتفالية، وهل تمكن رأس المال من تقييد الفكر في مهرجان ثقافي مهم وعالمي كمهرجان «كان»؟
وهل نستطيع القول إن ما كان اسمه مهرجان «كان» صار «هوليوود»..