كيف وجد الفنانون الأفارقة والآسيويون جمهوراً سوفييتياً؟
تدفقت الأعمال الأدبية والسينمائية لبلدان آسيا وإفريقيا «البلدان المستعمرة والمتحررة حديثاً من الاستعمار القديم» إلى الجمهور السوفييتي خلال القرن العشرين كنوع من المساعدة للبلدان الآسيوية والإفريقية التي تناضل من أجل تدعيم استقلالها.
الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق
خلال السنوات التي تلت انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية، نظم البلاشفة العديد من الفعاليات لدعم شعوب الشرق في المستعمرات، مثل مؤتمر: باكو لشعوب الشرق، وظهور عصبة مناهضة الإمبريالية، وتأسيس الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق عام 1921.
درس الكثيرون في هذه الجامعة، بينهم شخصيات مشهورة، مثل: خالد بكداش من سورية، ويوسف سلمان يوسف/ فهد من العراق، كما درس فيها ليو شاوتسي «الصين»، وناظم حكمت «تركيا»، وهوشي منّه «فيتنام» وغيرهم.
كان الطلبة مقسمين إلى مجموعتين، الأولى: خاصة لطلبة الجمهوريات السوفييتية الشرقية لإعدادهم للعمل في الجمهوريات، أما المجموعة الثانية: فضمت الطلبة الأجانب من البلدان الشرقية، من الصين وفييتنام والبلدان العربية وشعوب عدد من المستعمرات، كانوا يدرسون من أجل العمل لتصعيد النضال التحرري في بلدانهم، وكانت الجامعة تصدر مجلة «الشرق الثوري» بين عامي 1927-1938، التي تحمل موادها نتاجاً غنياً حول تاريخ شعوب الشرق. وعن طريق هذه الجامعة جرت أولى الاتصالات الثقافية العلمية مع بلدان الشرق.
جمعية الكتاب ومهرجان طشقند
اهتم السوفييت بحركات شعوب المستعمرات المناهضة للإمبريالية في الصين والهند ومصر وسورية وغيرها من البلدان، كما اهتم الاتحاد السوفييتي لاحقاً بإقامة العلاقات الثقافية مع شعوب البلدان المستعمرة، أو المتحررة حديثاً من الاستعمار القديم، وكانت جمعية الكتاب الإفرو آسيويين «1958-1991» ومهرجان طشقند للأفلام الإفريقية والآسيوية واللاتينية «1968-1988» أهم مؤسستين ثقافيتين في الأدب والسينما.
وكعناصر معتمدة من هذه المبادرات السوفييتية المناهضة للإمبريالية، لعبت كل من الأعمال الأدبية والأفلام السينمائية دوراً مهماً في تأسيس وتوسيع العلاقات الثقافية مع شعوب الشرق.
وإضافة إلى المساعدات الاقتصادية والعسكرية لهذه البلدان، ظهرت المساعدات الثقافية، وكانت عبارة عن برنامج ضخم لترجمة الآداب الآسيوية والإفريقية واللاتينية إلى الروسية واللغات السوفييتية الأخرى، وإقامة علاقات مع الكتاب والسينمائيين في القارات الثلاث.
في أكتوبر 1958، اجتمعت شخصيات مهمة، مثل: دبليو إي بي دو بوا الأمريكي الإفريقي، وناظم حكمت التركي، وماو دون الصيني، في طشقند لحضور مؤتمر الكتاب الإفرو آسيويين، ومن هناك بدأت الحكاية.
كان اختيار طشقند كمكان للمؤتمر الافتتاحي لجمعية الكتاب الإفرو-آسيويين «وبعد عشر سنوات، لمهرجان طشقند نصف السنوي للفيلم الإفريقي والآسيوي وبلدان أمريكا اللاتينية» خطوة مهمة للغاية. فهي المدينة التي امتزج فيها التطور السوفييتي مع التقاليد الشرقية المحلية.
وهكذا، منذ أواخر الخمسينات حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، برزت طشقند «وإلى حد ما، ألما آتا وسمرقند وبخارى ويريفان وباكو وتبليسي» على مسارات الوفود الثقافية الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية إلى الاتحاد السوفييتي، وبدأت دور النشر السوفييتية وعلى نطاق واسع بنشر الأعمال المترجمة من الآداب الآسيوية والإفريقية الأمريكية اللاتينية.
وهنا بدأت مرحلة من تمتع السينما الهندية، بشعبية هائلة لدى المشاهدين السوفييت، وازدهار الأدب الروائي القادم من أمريكا اللاتينية، إضافة إلى انتشار الآداب الأفغانية والفارسية واليابانية المترجمة، ومؤلفات الكتاب الأتراك، مثل: ناظم حكمت وعزيز نيسن التي حظيت بشعبية حقيقية بين القراء السوفييت.
الأفلام السينمائية والوثائقية
تمتعت السينما الهندية، بشعبية كبيرة لدى المشاهدين السوفييت. فثلاثة من خمسة وعشرين فيلماً الأكثر مشاهدة على الشاشات السوفييتية «بما فيها الأفلام السوفييتية» تأتي من الهند، وفيلم واحد من مصر، وحققت هذه الأفلام أكثر من تسعين مليون مشاهد حسب إحصاءات عام 1971.
وانتشرت أيضاً الأفلام الوثائقية التي تصور نضال شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، تلك الأفلام التي جرى تصويرها بسرية بسبب الملاحقات. ومنها: الأعمال القادمة من أمريكا اللاتينية، مثل: أفلام أوكتافيو جيتينو وفرناندو سولاناس من الأرجنتين، أو الأفلام الخيالية- الثورية لمرينال سين في الهند وعثمان سيمبين في السنغال، والعديد من المخرجين اليساريين المهمين، كما ظهرت الأعمال المشتركة بين المخرجين السوفييت ومخرجي هذه البلدان، مثل: الأعمال المشتركة السوفييتية- السورية.
ويرجع الفضل في هذه الأعمال إلى عمل جمعية الكتاب الإفرو آسيويين، ومؤتمراتها، ومبادرات الترجمة، وجائزتها الأدبية ومجلتها متعددة اللغات، وفعاليات مهرجان طشقند والكتاب والسينمائيون الكبار الذين وقفوا على جبهة ثقافية واحدة.
جامعة إفريقيا المسائية
عندما سُئل عثمان سيمبين «أبو السينما الإفريقية» عن سبب تحوله من كتابة الروايات إلى صناعة الأفلام، أشار إلى تفشي الأمية في موطنه السنغال، الأمية التي وقفت في طريق قدرة كتاب على مخاطبة شعوبهم بعد رحيل الاستعمار القديم. لذلك أطلق سيمبين على السينما اسم «جامعة إفريقيا المسائية».
خاض المخرج إضرابات عمال السكك الحديدية في السنغال والنضال النقابي لعمال الموانئ ومصانع السيارات في فرنسا. وصرِّح لصحيفة الأومانيتيه قائلاً: لقد زودتني إضرابات داكار بموقف واقعي ملموس. لكنني اكتشفت الأدب والمسرح والنوادي السينمائية في الخمسينات في مرسيليا، في أحضان الحزب الشيوعي... بالنسبة لي، أنا ابن زيغنشور، قرية كازامانس الصغيرة، وكانت مدرسة الحزب مدرسة عظيمة. كانت جامعتي.
قرر سمبين التحول إلى السينما ليصل إلى جماهير واسعة، واعترف بأنه أنتج أفلام «موالد»، جال بها في القرى والبلدات ليقدح شرر الأسئلة في أذهان مواطنيه. ودرس السينما عندما ناهزت سنه الأربعين سنة، وقد ولج هذا العالم أيضاً من باب النضال النقابي، ومن إحدى عواصم الفن السينمائي: موسكو، الاتحاد السوفييتي. ولا غرابة، إن تلوَّن أسلوبه في أغلب أفلامه سواء منها الروائية أو الوثائقية، بالطابع النضالي اليساري.
سرعان ما انقضت الرقابة على أفلامه ومُنعت من العرض حتى بعد 12 عاماً من رحيله، ومن أبرز أفلامه: فيلم «جِنّي الغابة» الذي أخرجه عام 1971، ويصور مقاومة الكازامانسيين للمستعمر الفرنسي، بعد أن يستهدف الأخير مصدر قوتهم من الأرز.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 997