محطات من ذكرى ثورة أكتوبر

محطات من ذكرى ثورة أكتوبر

في ربيع 1918 جاء وفد من عمال محطة موسكو الكهرومائية لزيارة لينين، وعند عودتهم دعوا إلى اجتماع لعمال محطتهم لإبلاغهم عن مجريات الزيارة. صاحت أصوات من الحشد: أيّ شخص هذا لينين؟ فكر رئيس الوفد ثم أجاب بثقة: أظن أنه يوازي مليون فولط كهربائي. ويجب أن يتذكر المرء كيف كانت تلك البلاد بمحطاتها الكهربائية الضعيفة جداً ليدرك ما هو تعبير مليون فولط! وكان ذلك تعبيراً عن الطاقة التي يشعلها لينين في نفوس العمال.

أكتوبر ... معانٍ ودلالات

شهد القرن العشرون كثيراً من الأحداث العاصفة والإنجازات العظيمة، ولكن لا يمكن أن نقارن أياً منها بثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى 1917 سواء كانت هذه المقارنة من حيث الطابع، أو القوة، أو الجبروت، أو عمق أثرها وتأثيرها على مصير الشعوب والبلدان.
فتحت ثورة أكتوبر بداية عهد جديد في التاريخ على طريق الثورة الاشتراكية والتحرر من الاضطهاد الطبقي والقومي، ليس في روسيا القيصرية وحدها، وإنما في كل البلدان والدول، مطلقة بذلك موجة ثورية اجتاحت العالم وغيرت مصير البشرية، وخط سير تطورها خلال القرن العشرين بأسره.

ثورة أكتوبر، هي أول ثورة في التاريخ قضت على استعباد شعب لشعب على سدس الكرة الأرضية، وهي أول ثورة رفعت راية وتأييد الثورة الوطنية التحررية في الدنيا بأجمعها، وصدرت المراسيم الأولى لها بعد استلام البلاشفة للسلطة، ومنها: مرسوم السلام الذي وضع أسس حق تقرير مصير الشعوب والأمم، ومرسوم الأرض الذي ألغى ملكية كبار ملاكي الأراضي والإقطاعيين بدون تعويض وغيرها من الإنجازات.
لقد حدثت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، والتي كان من نتائجها تأسيس الاتحاد السوفييتي كأول دولة للعمال والفلاحين في العالم، في مرحلة اتصفت بصعود الحركة الثورية العالمية أوائل القرن العشرين، وتركت تأثيرها على مجمل التطور العام للبشرية خلال القرن العشرين.

حزب أكتوبر

في حزيران 1917، انعقد المؤتمر الأول لسوفييتات نواب العمال والجنود والبحارة لعموم روسيا، وشارك ممثلو الأحزاب السياسية المختلفة في الحديث، وكان البرنامج السياسي لكل حزب يتمحور حول الحرب والسلم وحول طريق تطور البلاد.
أعلن البلاشفة علناً تأييدهم للسلم، بينما أيدت بقية الأحزاب الحرب وحكومة كيرينسكي. قال أحد المناشفة: في اللحظة الراهنة لا يوجد في روسيا حزب سياسي يمكن أن يقول ضعوا السلطة في أيدينا، اخرجوا لنحتل مكانكم. إن مثل هذا الحزب غير موجود في روسيا. لقي هذا الكلام تأييداً من الأحزاب، إلّا أن صوتاً مرناً بدد السكون فجأة: موجود! مثل هذا الحزب موجود! وتردد فوق القاعة التي جمدتها المفاجأة، وفوق روسيا وفوق العالم كله، صوت لينين المملوء قوة وعاطفة وناراً: موجود! إن مثل هذا الحزب موجود! إنه حزب البلاشفة.
كان الوقت عصيباً، اقتُحم مقر جريدة البرافدا، وأصدرت الحكومة المؤقتة أمراً باعتقال لينين، وزُجّ البلاشفة في السجون وقتلوا في الشوارع. في منطقة فيبورغ التي كان مجلسها تحت سلطة البلاشفة، ولتأمين انتصار الثورة اجتمع المؤتمر السادس للحزب في أواخر تموز.

وزعت الاستمارات على 171 مندوباً، وكانت النتائج أن مجموع السنين لمن عملوا في الحركة الثورية، بلغ ألفاً وسبعمائة وواحدٍ وعشرين عاماً، وقد اعتقلوا 541 مرة، بمعدل ثلاث مرات لكل شخص، وقضوا زهاء 500 عام في السجون والمنافي والأشغال الشاقة. وكان نصفهم حاصلاً على تعليمٍ عالٍ أو ثانوي، بينما النصف الآخر تلقوا تعليمهم في السجون يقرقعون بالأصفاد في مناجم سيبيريا وهم يتبادلون النكات.
اجتمعوا في مؤتمر الحزب، وهم يعرفون أن خطراً مميتاً يتهددهم، وواصلوا العمل بكل جرأة وهدوء، واستمعوا لتقارير ستالين وسفيردلوف. أقر المؤتمر كراساً «حول الشعارات» الذي وضع فيه لينين أمام الحزب مهمة استيلاء البروليتاريا على السلطة. تلك المهمة التي أعلنت مدافع الطراد البحري آفرورا عن بدئها، عن بدء ثورة أكتوبر «25 أكتوبر حسب التقويم القديم، 7 نوفمبر حسب التقويم الحديث».

من مفكرة أكتوبر

في الـ 20 من أكتوبر عاد لينين من فنلندا إلى بتروغراد متخفياً. وفي 23 أكتوبر عقدت الجنة المركزية للحزب البلشفي اجتماعات سرية برئاسة لينين لمناقشة الاستعدادات للثورة، وخطوات تنفيذها، وانتخبت مكتباً سياسياً من سبعة أعضاء. وقرأ لينين في الاجتماع تقريراً عن ضرورة إشعال الثورة وصادقت اللجنة المركزية على ذلك، إلا أن اثنين من أعضائها «وافق 20 من أصل 22 على الثورة».
وكان عدد أعضاء الحزب البلشفي زهاء 400 ألف عضو. وعن هذه الدورة للجنة المركزية انبثقت اللجنة العسكرية الثورية برئاسة لينين نفسه. وأشرفت على مجمل الإعداد والقيادة.
انتشر مندوبو اللجنة المركزية للحزب البلشفي في المناطق الصناعية بهدف قيادة الانتفاضة. وشكلت اللجنة التنفيذية لمجلس سوفييت بتروغراد لجنة ثورية عسكرية برئاسة بودفويسكي، وأرسلت اللجنة المركزية مفوضيها إلى كافة الوحدات العسكرية المرابطة في العاصمة وضواحيها. واستكملت قوى الثورة استعداداتها لشن الهجوم.

في صباح 25 أكتوبر 1917 «7 نوفمبر» صدر بلاغ بلشفي يعلن سقوط الحكومة المؤقتة في قصر الشتاء، والقبض على جميع أعضائها، عدا كيرينسكي، ففي الساعة 21 دوت فوق نهر النيفا وبتروغراد، القنبلة الأولى من مدافع الطراد آفرورا، إشارة للبدء في الهجوم على قصر الشتاء. وبعد ساعات قليلة سيطرت قوات الثورة على القصر، واعتقلت الوزراء السابقين وأودعتهم قلعة بطرس وبولص، حيث كان القيصر يسجن الثوار من قبل. ورفرف العلم الأحمر فوق بتروغراد. وبتاريخ 26 أكتوبر نشأت حكومة العمال والفلاحين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
990