السينما واشتراكية القرن الواحد والعشرين
لا تملك المنظومة الرأسمالية الوسائل الضرورية لمكافحة وباء كورونا، ولا تستطيع التوقف عن شن الحروب والتسبب بالأزمات الاقتصادية وتجويع الشعوب، ولكنها تملك أموالاً طائلة لصرفها على مبارزات سينمائية- تلفزيونية خُلّبية.
مثقفو الأفق المغلق
هكذا، الأفق مغلق في وجه السينما الرأسمالية وجمهورها المجاني في البلدان الطرفية التابعة لدرجة لا تستطيع معها أبداً تصور اشتراكية القرن الواحد والعشرين! وكل تصوراتها رجعية تعود بالتاريخ إلى الوراء، ولا تستطيع التقدم إلى الأمام قيد ميليمتر واحد فقط! ويقف في هذا الطابور مثقفو نفس الأنظمة الذين يرددون النغمة نفسها، ولكن بأسلوب الجمهور المجاني الذي يردد أفكاراً لا يعي محتواها.
يمكننا قراءة هذا الأفق الذي انغلق في وجه الرأسمالية بشكل واضح من خلال الأفكار المعروضة في الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية الأخيرة. إذ تتفق تلك الطروحات وإن اختلفت بالشكل على فكرة رئيسية واحدة، وهي أن الاتحاد السوفييتي هو البديل للمنظومة الحالية!
أجل لقد انحدرت المنظومة الرأسمالية ومثقفوها العميان إلى درك «السلفية»، ويقف آخرون على رؤوسهم يستطيعون تصور عام 1991 ولكنهم عاجزن عن تصور حزيران 2020، فما بالك بعقد كامل أو قرن كامل وإلى الأمام؟
سوبرمان الأحمر
بدلاً من «كانساس» الموطن الأصلي لشخصية سوبرمان، تصبح أوكرانيا السوفييتية موطناً له في العام 1950 عشية اندلاع الحرب الكورية وتصاعد الحرب الباردة، سوبرمان الأحمر الذي سبب حالة من الذعر والهلع في الولايات المتحدة.
بتاريخ 17 آذار 2020، أطلقت المؤسسات السينمائية الأمريكية الكبرى فيلم «سوبرمان: الابن الأحمر»، الفيلم الذي يفتتح لقطته الأولى بصورة لسوبرمان وله عيون الشيطان «الشيطان رمز يدل على الشر في ثقافة العديد من شعوب العالم»، وتحت قيادته الدبابات الشيوعية T52، ويظهر في الفيلم بطلاً فردياً للجماهير السوفييتية، حاملاً على صدره شعار المطرقة والمنجل، وهو سلاح ستالين الجديد!
الفيلم مخصص للسخرية من ستالين والاتحاد السوفييتي، ولم يوفر جهداً في تحقير العمل الجماعي مقابل تمجيد الفردانية، في المقابل وضع القائمون على هذا الفيلم شخصية سوبرمان «المشهورة في العالم» في مواجهة مع ستالين، حيث أصبح سوبرمان زعيماً للاتحاد السوفييتي بعد قضائه على «الديكتاتور ستالين». والفيلم مليء بشتى الإشارات والرموز ضمن هذا الخط.
انطلاقاً من مقولات هذا الفيلم الذي بدأ التخطيط لصناعته عام 2013 وأنجز عام 2019 بملايين الدولارات، نتساءل: مما تخاف الرأسمالية؟ من العمل الجماعي؟ من ستالين؟ من الاتحاد السوفييتي؟ أم تخاف من أفول الفردانية التي قامت عليها الرأسمالية؟ أما مثقفو الأنظمة في البلدان التابعة فلا أعرف مما يخافون بالضبط، إذ ليس لهم محل من الإعراب.
سأقضي على الشيوعيين!
من يستطيع حصر عدد الأفلام السينمائية المخصصة لمحاربة الشيوعيين حول العالم والتي عرضت منذ 2019 فقط؟
وإذا أضفنا إليها عدد البرامج التلفزيونية والأغاني والمسلسلات والأبحاث الجامعية والمواد لإعلامية والصحفية المختلفة حول العالم، سيصعب حقاً تحديد العدد الذي يتجاوز عشرات الآلاف بلغة واحدة فقط، إذ أصبحت مفردات الشيوعية والماركسية مادة يومية في الإعلام.
أجل، فسخونة المعركة وصلت إلى هذه الدرجة، وإذا تحدثنا عن الجبهة المعادية باللغة العربية فقط، سنذكر على سبيل المثال فضائية MBC2 الخليجية- الصهيونية التي تعرض الأفلام الأمريكية الهوليوودية، ويا للعجب يكاد لا يخلو فيلم واحد من فصول هذه الحرب، بطريقة الهجوم المباشر، أو بطريقة الرموز والإشارات والتلاعب بالوعي.
نضيف إليها الأفلام السينمائية التي تعرضها القناة الفرنسية الموجهة للبلدان العربية في المشرق والمغرب. وقناة ناشيونال جيوغرافيك العربية التي تواصل إنتاج وعرض وترجمة الأفلام الوثائقية التي تزور التاريخ.
وحمل فيلم كوري جنوبي جديد عنوان «معركة جانغساري»، الفيلم الذي يتحدث عن معركة خلال الحرب الكورية بشكل يستجدي العاطفة من المشاهدين، لن ندخل في تفاصيل الفيلم، ولكن سنعلق على جملة واحدة وردت في أحد المشاهد: سأقضي على الشيوعيين! صرفت ملايين الدولارات من أجل إقحام هذه الجملة في مشهد صغير، وسيأتي أحدهم ليقول: السينما حيادية. كلا إنها تعمل في السياسة حتى النخاع. أما مثقفو الأنظمة فهم يرددون المقولات القادمة من المؤسسات الخليجية- الصهيونية والرأسمالية الفرنسية والأمريكية وغيرها، ويسمون أنفسهم حياديين!
كلمة أخيرة
نفهم من كل ما سبق أن الرأسمالية خائفة من الاتحاد السوفييتي ومن ستالين بالتحديد، وتعتقد هي كما يعتقد مثقفو الأنظمة عودة الاتحاد السوفييتي قريباً!
وكم تشبه هذه الطروحات موضوعة قديمة تداولتها أحزاب مختلفة عام 1917، وهي العودة إلى كومونة باريس! ولكن التاريخ ضربهم صفعة قوية، لم يرجعهم إلى الوراء إلى كومونة باريس، بل أخذهم إلى الأمام، إلى الاتحاد السوفييتي، إذ لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء، وسيضربهم التاريخ مرة أخرى صفعة أقوى لأنه يسير إلى الأمام، إلى اشتراكية القرن الواحد والعشرين التي تستند على إنجازات المرحلة السابقة، وتبلور نموذجاً أكثر تطوراً، وأكثر قوة، وإن كان عمر كومونة باريس 70 يوماً وعمر الاتحاد السوفييتي 70 عاماً، فكم سيكون عمر التجربة القادمة؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 962