تسارع الزّمن والأزمة التاريخية: أحمال مضاعفة!
محمد المعوش محمد المعوش

تسارع الزّمن والأزمة التاريخية: أحمال مضاعفة!

إن اعتبار الأزمة الرأسمالية الراهنة ليست أزمة دورية سيخرج منها النظام الرأسمالي عبر تجديد نفسه، هو أساس لاستنتاجات مختلفة.

هناك استنتاجات سياسية ترتبط بفهم أفق هذه الأزمة وقانون الصراع الموضوعي الذي يحكم الدول والمجتمعات ويسمح بتحديد طابع ممارسة الدولة والقوى في العالم، وهناك استنتاجات برنامجية ترتبط بهذا التوصيف السياسي، وترتبط أيضاً بطبيعة النقلة التي على المجتمعات أن تقوم بها، أي القطع مع الرأسمالية بهدف الحفاظ على الوجود، وهذه النقلة التي تفرض طرح تصور جديد- نقيض عن العالم الذي صورته الليبرالية طوال العقود الماضية كنمط حياة جديد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولكن هناك قضايا لا بد من تناولها، والتي لها علاقة بالتحديات الملموسة الناتجة عن الاستنتاجات السابقة السياسية والبرنامجية. ومنها قضية تسارع الزمن في الأزمة، كزمن «أزموي».

زمن الأزمة المتسارع

إن الترابط الشديد بين المجتمعات عالمياً، والذي تحقق ضمن علاقات الإمبريالية، من جهة، ومن جهة أخرى، إن الانفجار المتزامن للتناقضات العميقة التي تعيشها الإمبريالية- الرأسمالية (على مستوى الطبيعة والإنسان وإعادة إنتاج المجتمعات كمجتمعات قابلة للحياة)، أسّس لأن تكون القضايا كلها مطروحة على الحل بشكل متزامن. وأسّس بالتالي لتسارع انفجار التناقضات، أي تسارع الأحداث. فسرعة التفاعل الكيميائي مثلاً تُحددّها عدة عوامل، منها تركيز المادة، اتساع سطح التفاعل، الضغط والحرارة، وسهولة تفكك الروابط بين الجزيئات والذرات. وإذا قاربناها اجتماعياً فإن سرعة التفاعل الكيميائي يضاهيها، كميّة (تركيز) التناقضات، عالمية التناقضات (اتساع سطح التفاعل)، حدّة وعمق هذه التناقضات (الحرارة والضغط)، وتعفّن العلاقات في البنية الرأسمالية (تهتّك العلاقات والروابط).

التسارع وتركة الليبرالية

هذا التّسارع تلاقى مع تركة الليبرالية. أي تلاقيه مع نتائج مرحلة الانقطاع النسبي للعمل الثوري وتراجعه على مدى عقود، من جهة. هذا الانقطاع الذي أنتج عدم جهوزية لأغلب القوى الثورية في العالم على مستوى المنصة المعرفية، والبرنامج المتلائم مع تاريخية النقلة التي يجب القيام بها. ومن جهة أخرى، كان لسيادة الليبرالية أن أنتجت تشوهات ضمن القوى الجذرية، وضمن الكادر البشري الذي يشكّل الحامل البشري لخط التغيير الثوري. فالقوى المهيمنة سياسياً طوال العقود الماضية كانت ولا شك مهيمنة إيديولوجيا.

التسارع والتحديات

هذا التسارع فرض تحديات تاريخية، فهو يتطلب التصدي لمهام كبرى ووقف الانهيار الشامل، وطرح الحلول الشاملة. ولكن كان للتركة الليبرالية أن عظّمت من حدة المهام. فتعويض الانقطاع النسبي للعمل الثوري، ونتائج التشوه الليبرالي وكفّ تأثيره على الوعي، كل ذلك يفرض تحديات جبّارة على أية قوة تغييرية. فبداية لا يمكن للعمل التراكمي التقليدي البطيء وحده (الذي يطبع فترات الهدوء الاجتماعي) أن يكون هو الإستراتيجية المتّبعة. ولا يمكن لهذه القوى أن تعمل منفردة وفي عزلة عن بعضها البعض، في مختلف الدول. والعمل المشترك هذا ليس التواصل والتنسيق العام، بل هو يفرض عملاً برنامجياً مشتركاً أيضاً، يتجاوز العموميات ليصل إلى حد الخطوات الملموسة المشتركة. وهذا نابع من شدة ترابط القضايا وعمقها العالمي، وتحديداً بين الدول المتجاورة. ولأن الممارسة الثورية في هذه المرحلة تتم في ظل تعفن شامل للبنية الاجتماعية وتراجع مستوى الحياة، وتعاظم المآسي، وتعطل آليات إعادة تجديد المجتمع كمجتمع قابل للحياة، والاستقطاب الطبقي العالي مقارنة بمراحل تاريخية سابقة، بسبب ذلك كله، فإن هذه الممارسة الثورية عليها أحمال مضاعفة.
ولنحدد أكثر، فالأفراد المنخرطون في هذه الممارسة والذين هم غالباً من أجيال لم تجد لها مكاناً في المجتمع في ظل الليبرالية، وتعطلها عن العمل، وصعوبة الصمود الفردي، بسبب دمار أغلب البنى الاجتماعية على المستوى الداخلي للبلد المعني، كما على المستوى العالمي. فعلى المستوى الداخلي، إن تأثير الليبرالية أنهك البنى الاجتماعية التي عادة قد تشكل إطاراً للصمود، كالعائلة والمحيط الاجتماعي القريب، والانحدار الطبقي الذي أصاب الغالبية الاجتماعية، وصولاً إلى إنهاك الدولة وتعفّنها، مضافاً إليها ظروف الحرب في عدة بلدان والتهجير. أما على المستوى العالمي، فإن الانهيار المشترك للدول، وانفجار تناقضاتها بشكل متزامن، أضعف عوامل حركة القوى الثورية بين هذه الدول، وخصوصاً في المنطقة العربية حيث كان العمق التحرري مثلاً قادراً على تأمين عمق وخط دفاع خلفي لحركة هذه القوى.

بين التجاهل والوعي

إن هذه الوقائع تُحدّد إلى مدى بعيد إستراتيجية وتكتيك أية قوى ثوريّة تريد أن تتموضع في هذا الانفجار التاريخي وتسارعه. فتجاهل الوقائع سيُرخي بأثقال كبيرة على العمل المباشر اليومي لهذه القوى. أمّا وعيها سيساعد على الحد من صعوباتها. وهذا يتطلب عدة استنتاجات.
إذا افترضنا أن هناك تقارباً في الرؤية التاريخية ووجود منصة معرفية مشتركة بين القوى الثورية، فإن خلاصة أساسية تفترض عملاً برنامجياً مشتركاً. وهذا ما زال غائباً لعدة أسباب، منها تفاوت التطور بين التجارب الثورية في الدول المختلفة.
خلاصة ثانية تفترض أن صعوبة الصمود اليومي للقوى الحية والتي تشكل المكون البشري لقوى التغيير، تتطلّب إيجاد مقومات صمود يومية، في ظل حدة الأزمة الاجتماعية، وفي كونها أزمة مفتوحة أساساً.
خلاصة أخرى هي الاستفادة من التناقضات على مستوى العالم لأبعد الحدود، وذلك عملاً بالترابط الشديد للمصالح الوجودية التي تحكم الدول والمجتمعات. وتوظيف هذه التناقضات لصالح عملية التغيير في البلد المعني.
هناك خلاصات عدة أخرى، ولكن منها مثلاً عدم التسامح مع العناصر التي تكبح تسريع عملية التغيير، وتشكل عوامل شد للخلف. ويبقى الأهم، الرؤية التي توظف زخم التناقضات الاجتماعية كلها في عملية التغيير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
948
آخر تعديل على الإثنين, 13 كانون2/يناير 2020 13:51