صورة ماركس في الإعلام
لؤي محمد لؤي محمد

صورة ماركس في الإعلام

تتوسع الصحف ووسائل الإعلام الكبرى والصغرى ودور النشر ومؤسسات السينما حول العالم في الحديث عن كارل ماركس مؤخراً، وتحول «المغربي» المتوفي عام 1883 إلى محور يومي للإعلام بين مهاجم ومهاجم مرتبك ومدافع. 

ماذا يقول الأمريكيون؟

جديد الإعلام الأمريكي حول ماركس يثير الضحك، حيث خرج أحد البرامج التلفزيونية باكتشاف فلسفي جديد: ماركس مسؤول عن الأزمة الرأسمالية! وهكذا أينما حل ماركس، خيمت الأزمة الاقتصادية، والبلدان التي تبنت نموذج ماركس ضربتها الأزمة الخانقة، لذلك احذروا ماركس الشرير، لا تدعوه يدخل منازلكم.
لا تستطيع العديد من وسائل الإعلام الأمريكية إخفاء الحالة المرتبكة التي تصيبها عند معالجة موضوع يتعلق بماركس. وتحاول بشتى الطرق اليوم إلصاق سمات الرأسمالية بالشيوعية قسراً.

صحف هونغ كونغ

تشو تشونغ يان محرر تنفيذي لصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، ويشرف على عمليات الطباعة والنشر اليومية.
يبدي يان حماساً تجاه توماس مور مؤلف كتاب اليوتوبيا عام 1516، الكتاب المنشور باللغة اللاتينية في بلجيكا، وهو عبارة عن هجاء رائع يحتوي على بعض الأفكار المثيرة التي من شأنها أن تضمن ظهوره على مدار 500 عام. كتبت فصول الكتاب على شكل حوار وهمي بين مور ومسافر عائد من أرض يوتوبيا المكتشفة حديثاً. استخدم مور القصة لإدانة المجتمع الأوروبي الغارق بالجشع واللامبالاة والظلم، ومقارنتها بحالة يوتوبيا.
كان ذلك أول عمل رئيسي يحاول استكشاف فكرة الشيوعية- في أبكر أشكالها الطوباوية. ويحكي المسافر في القصة: أنا مقتنع تماماً بأنك لن تحصل أبداً على توزيع عادل للسلع أو تنظيم يرضي لحياة الإنسان، حتى تقوم بإلغاء الملكية الخاصة تماماً. ما دامت موجودة، فإن الغالبية العظمى من الجنس البشري، والجزء الأكبر منه، ستستمر حتماً في العمل تحت عبء الفقر والمصاعب والقلق. وينتهي يان في مقاله إلى نتيجة تقول: لا أعتقد بوجود مستوى معيشة معقول في النظام الشيوعي، سيكون هناك نقص دائم في الموارد، لأن أحداً لن يعمل جدياً بما فيه الكفاية! وهنا إلصاق قسري لسمات الرأسمالية بالشيوعية.
قبل قرون من تحول الشيوعية إلى حقيقة سياسية، عرض مور أفكارها في كتاب واحد صغير. في أبسط طريقة، تهتم بالعدالة في توزيع الثروة. ويضيف يان: لكنها تفتقر إلى الإجابة عن كيفية رفع الكفاءة في إنتاج الثروة عندما تُزيل حافز المنافسة.
حاول العديد من الأشخاص في أوروبا وأمريكا إقامة مجتمعاتهم الفاضلة بعد نشر هذا الكتاب. لكن في أيدي كارل ماركس خلال القرن التاسع عشر، تطورت الشيوعية لتصبح نظرية سياسية شاملة. لقد توج التعاون بين كارل ماركس وفريدريك إنجلز بالعمل الرائع، رأس المال. وبعد هذا الاعتراف بنظرية ماركس، يمضي تشو يان إلى محاولة القصف الثقيل على الماركسية، ولكن من مدفع خُلّبي فات أوانه منذ 180 سنة قائلاً: على الرغم من موهبته الواضحة، إلا أنه كان لديه ميل إلى إصدار تصريحات سريعة ومتسرعة. في بعض الأحيان، وأظهر ميلاً نحو اليوتوبيا، وعلى الرغم من كل انتقاداته الرائعة للرأسمالية، لم يعالج مطلقًا مسألة ما هي المؤسسات السياسية والقانونية التي ينبغي تشكيلها بعد ثورة البروليتاريا. لم يوضح كيفية حماية الحرية الفردية في مواجهة قوة مركزية موجودة في كل مكان. بينما واصلت صحف وأفلام سينمائية أخرى محاولاتها لإحياء أفكار ميخائيل باكونين لوضعها في مواجهة مع أفكار ماركس.

الواقع يحطم الأوهام

تلاشت الأوهام الوردية حول الديمقراطية الليبرالية الجديدة بعد أزمة 2008، وبينما بدا الاقتصاد العالمي وكأنه يتوسع بسرعة كبيرة، كانت الكارثة بتركز الثروة بشكل متزايد في أيدي أعلى 1 في المائة. وتسببت الأزمة المالية في عام 2008 في رد فعل عالمي ضد الاقتصادات الليبرالية. وأدرك الكثيرون أن السوق الحرة مجانية فقط للنخب. لذلك صعدت الحركات الشعبية في جميع أنحاء العالم.
وأمام هذه الصورة الواضحة لا يُوفر مشغلو وسائل الإعلام الفرصة ليقولوا: ماركس نتاج العصر الصناعي، وهو مفكر أخلاقي، وقيمته كعالم أخلاقي قد تتجاوز نظريته وفلسفته مبنية على أساس أخلاقي. ويرسم آخرون صوراً نمطية مفتعلة أو مجتزئة مثل: ماركس بطل المتسولين، ماركس الشاعر على حق، وهو مفكر ينتمي إلى صف النخبة، لكن تحريضه الفكري يعتمد على اهتمام أخلاقي بالفقراء في عالم الاضطرابات. وهكذا، فالحركات الشعبية تصعد اليوم لسبب أخلاقي وليس لسبب اقتصادي اجتماعي وسياسي.

فتوحات فلسفية جديدة

«لم يقترب نص ماركسي آخر من تحقيق الشهرة والتأثير من البيان الشيوعي الذي ترجم إلى أكثر من 100 لغة، ولعبت هذه الدعوة التي انتشرت بين عمال العالم إلى تشكيل أحداث القرن العشرين بشكل جذري، ولكن ما مدى ملائمة نصوصه لنا اليوم» سلافوي جيجيك في كتابه «أهمية البيان الشيوعي» آذار 2019
يعترف جيجيك الذي ضخمه الإعلام العالمي بتأثير البيان الشيوعي، ويغلف اعترافه بفتوحاته الفلسفية الجديدة: هيغل على حق، لا بد من استعادة هيغل.
جميع هؤلاء يخشون ماركس، لأن الحركة العمالية تتصاعد، ويتسارع تبني الجيل الشاب للأفكار الشيوعية في المدارس والجامعات. ولم تنفع الحملات المباشرة وغير المباشرة في التسبب بخدشٍ واحدٍ في الماركسية، كذلك لم يعد ينفعهم تجاهل ماركس والقفز من فوقه، لذلك عمدوا إلى عدم التجاهل بأسلوبهم! ولكن هيهات أن تخدشوا فكرة حان وقتها!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
921
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2019 13:47