طفل أحمر من حقول الكاكاو
عَكَس الروح البرازيلية في روايات تنتصر للكادحين، إنه جورج آمادو دي فاريا، ولد عام 1912 في مزرعة كاكاو في قرية فيراداس جنوب ولاية باهيا، التي كانت في ذلك الوقت مركزاً لتجارة العبيد الأفارقة في البرازيل، تعلم القراءة في مدينة إيليوس القريبة، وكانت أكبر مركز لإنتاج الكاكاو في بلاده. وتوفي عام 2001، بعد أن ترك تراثاً سياسياً وروائياً كبيراً.
المحصول الأحمر
كتب آمادو روايته «المحصول الأحمر» عام 1940 حول عذابات الإنسان ونضاله. وجعل من الكتابة الروائية سبيله لإنصاف البشر المغلوبين على أمرهم عن طريق التغيير. وهذا ما دعاه إلى كتابة سيرة حياة اثنين من دعاة العدالة الاجتماعية.
الأول: هو كاسترو ألفيس، الشاعر الخلاسي الذي عمل على تحرير العبيد وقد استشهد من أجل دعوته تلك. أما الثاني: فهو لويس كارلوس برستس الذي حارب بفيلقه المعروف، والذي لا يتعدى أفراده ألفي جندي في مواجهة خمسة عشر جيشاً اتحادياً عدد أفرادها يتجاوز المليون. وقد هبّ هذا الضابط القـادم بفيلقه الأسطـوري مـن ولاية ريو غراندي دوسول، لإنقاذ ثورة سان بولو. وكانت نهاية حركته النفي مع جماعته في الباراغواي. لكنّه اكتشف خلال تقهقره إلى المناطق الداخلية أنّ الرق لا يزال قائماً بعد مئة سنة من إلغائه. فكان العديد يُجلدون في الساحات، ونساؤهم يُغتصبن جهاراً، والإقطاعي هو سيد الناس والموجودات. هذا ما أرّخه جورج آمادو في كتابه عن برستس في «فارس الأمل».
لون الأرض السمراء
بقي هاجس العدالة الاجتماعية يلازمه منذ بداياته الأولى التي أعقبت روايته «بلد الكرنفال». ففي روايتيه «كاكو» الصادرة عام 1933 و«عرق» عام 1934 كان هذا الهاجس نابضاً في عروق المؤلف، وفي الصفحات المشحونة بآلام الفلاحين والموظفين الصغار والتجار المفلسين، ويشع منها لون الأرض السمراء المنعكسة على وجوه الناس الداكنة.
في الحقيقة كان جورج آمادو دائماً رهين هاجس ثلاثي:
أولاً: نصرة الجياع في ولايات الشمال البرازيلي حيث تتعرض مناطق واسعة في الريف إلى جفاف عاتٍ يقضي على كل شيء: المواشي، والمحاصيل الزراعية، والحياة في القرى والدساكر.
ثانياً: صعود التيار اليساري في البرازيل وأميركا اللاتينية، وإمكان تحقيق العدالة الاجتماعية من خلاله.
ثالثاً: مواجهة الرأسمالية الأمريكية المتمثلة بالشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية، والتي بسببها يجوع الفقراء في كل مكان.
بيليه الأدب البرازيلي
تميزت شخصية جورج آمادو بالجرأة والصدق في معالجة الأوضاع الاجتماعية التي تئِنّ منها الطبقات الفقيرة في البرازيل، من خلال نهج الواقعية في الأدب. ففي روايته «المحصول الأحمر» يروي في جزئها الأول دروب الجوع ومعاناة جميع الفلاحين المطرودين من أراضي الإقطاعي الذي يمتلك كل شيء، وفي مواجهة الجفاف يتخلى عنهم، مسلّماً إياهم لمصيرهم المجهول في أرض وعرة لا ماء فيها ولا زرع، عرضة للموت بأنياب الأفاعي والجوع. في هذه الرواية أكد جورج آمادو التصاقه بالشعب البائس الذي ينتمي إليه، كمواطن من ولاية باهيا، قاعدة الفقر والتخلف في شمال البرازيل، وكان أبوه رجلاً عادياً يؤمن قوت أولاده بشقّ النفس ككل مواطن فقير. وكانت أمه هندية الأصل، أي: أنه لم يكن أبيض كاملاً، فهو لا يخلو من التهجين، كأي خلاسي في البرازيل. وهذه الجذور ذات أثر راسخ في كل مؤلفات هذا الكاتب. ولقب في الأوساط الأدبية والشعبية باسم بيليه الأدب البرازيلي.
طفل من حقول الكاكاو
في سيرته الذاتية «طفل من حقول الكاكاو» يعترف آمادو بتأثير كُتّاب بأعينهم عليه، فإنه معجب بالكاتب البرازيلي جيلبرتو فريير صاحب رواية «سادة وعبيد» وتعليقاً على هذه السيرة كتب أحد النقاد الفرنسيين مقالاً في «نوفيل أوبزرفاتور» في 11 يوليو سنة 1996 يقول فيه:
«إن جورج لم يكتب سيرته الذاتية، بقدر ما سرد سيرة بلاده السياسية، وكشف الأوجه الحسية والألوان المتباينة للناس والطبيعة في البرازيل، وخاصة باهيا التي تنام في أحضان البحر، إنها أرض الكاكاو».
السجين الأحمر
كان آمادو قد أسس مع أصدقائه «جماعة الحداثة» وأنهى دراسته في كلية الحقوق، ويكمن السر في نجاح آمادو وفق البعض هو في تمسكه ببعض الأشكال الاتباعية، ممزوجة بالصعلكة، وطعم التقاليد العريقة، في مسقط رأسه، مقاطعة باهيا، التي كانت بحواضرها وريفها مسرح كل رواياته، وكان آمادو قد انغمس في النشاط السياسي مبكراً، وانضم إلى الحزب الشيوعي البرازيلي، وتعرض للسجن، وفي عام 1946 انتخب عضواً بالبرلمان. واستمر آمادو في إثارة غضب السلطات، ففي عام 1944 نشر السيرة الذاتية للويس كارلوس بريستس زعيم الحزب الشيوعي البرازيلي.
لكن الحكم العسكري حظر نشاط الحزب الذي ينتمي إليه، وأمر بإحراق ست روايات له في الساحة العامة في العاصمة، فاضطر إلى العيش في المنفى ما بين فرنسا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي، ولم يتمكن من العودة إلى بلاده إلا في عام 1952 وحصل على عدة جوائز عالمية مثل: جائزة ستالين للسلام، وكان المرشح الدائم لجائزة نوبل التي قال عنها: «لن أكون سعيداً إذا فزت بها».
وفي عام 1987 تأسس متحف آمادو على يد مجموعة من الفنانين والكتاب، الذين رأوا ضرورة الحفاظ على تراث هذا الكاتب الكبير، الذي ترجمت أعماله إلى حوالي 50 لغة عالمية، وعرضت عبر السينما والدراما التلفزيونية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 917