التايكونات تحتل المدينة
والمستثمر الذي يضع أمواله في الإعلام لا يتحول الى تايكون من تلقاء نفسه، لكن من خلال نظام وقوانين تختار بعناية تضخمهم ليتحول العادي الى تايكون أي الى كائن ضخم يبتلع ما حوله ليعيش...
التايكون لا يستمتع وحده بهذا التضخم لكن السلطة التي تستفيد من كونها الجهة المحتكرة للسماح بهذا التضخم، وهي القادرة على تحويله الى قط خائف مذعور يبحث عن «كفيل» في كواليس الحاشية...
تستفيد من التايكون كل المواهب المتوسطة. هو راعي الميديوكر الاول، أو من لديهم استعداد للتحول الى ميديوكر، وكلما كنت مطفيا، خيالك في حالة نصف انطفاء، نصف اشتعال، كلما استطاع التايكون تحويلك الى بضاعة رائجة تدر الملايين والمليارات....
مزاج التايكون هو المتحكم الوحيد والحصري في ما يراه أو يعرفه الناس ليس على مستوى الأخبار أو الحوارات حول السياسة ولكن حول الذوق والخيال، وفق صيغة أو خلطة يعتبرها كل تايكون سر نجاحه... في فرض ذائقة، وعي، خيال لا يجرح مشاعر المصالح التي قدم منها التايكون أو تضخم ليحميها...
المزاج هنا هو المحدد... لا وجود لأساليب علمية تقيس الذوق أو الرأي، بل ان التايكونات تشتري شركات قياس الرأي أو النجاح ليصبح معيار الاختيار أو الصعود على طريقة: «أمي بتحب فلانة» أو «مرات بتتفرج على فلانة» أو «صاحبي شايف ان فلان عبقري»... هذه طريقة في القياس، لكنها ليست الوحيدة لتكون معيار النجاح، خاصة أنها محدودة وتقترب من كونها تفصيلا على مقاس جاهز وليس اختراقا لأفق جديد، يفتح نوافذ وشرفات على المبتكر والطازج.
يتحول الإعلام مع احتكار التايكونات الى بركة عطنة رائحتها تدوخ من فرط الترهل والابتذال.
هذا لا يمنع طبعا من ظهور فورات جديدة ـ موضات، أو أشخاص لهم أسلوب جديد، تجدد بها البركة، لكن سرعان ما تحاصر الضغوط ليتحول المبتكر الى نمط يمكن ان يتجانس مع الطحالب الصاعدة من بركة التايكون...
هكذا استفحل الأمر بعدما أصبحت التلفزيونات والصحف أسيرة شركات الإعلان... فالنمط الوحيد المتاح للملكية يفرض نمطاً واحداً من إنتاج الإعلام، تبعا لنمط ملكيته، ولهذا فإنه لا يرد لا عبر ضمانات من شركات الإعلان... أي ترويج السلعة يصاحبه ترويج لنجوم وأنماط في الشخصية والحياة... وهنا «تتصالح المصالح» ما دمت غارقاً في بحيرة النمط الواحد... ولا تجرح المشاعر التي تتربى كل يوم لتكون جمهورا مثاليا لما يمثل حين النظر اليه «وجبات سريعة» أو «نفايات الطعام» في علب أنيقة فخمة ودعاية ضخمة تجعل هذه النفايات من أساسيات الحياة.
المصدر: السفير