لغة الرأسمالية ليست مزعجة فحسب، بل خطيرة!
عندما قامت جنرال موتورز بتسريح أكثر من 6000 عامل بعد أيام من عيد الشكر، صرحت الرئيسة التنفيذية للشركة ماري بارا: «إن الإجراءات التي نتخذها اليوم تواصل تحولنا إلى أن تكون مرنة للغاية ومربحة، في حين تمنحنا المرونة الاستثمار في المستقبل»، الأمر الذي جعل من جون باتريك ليري، مؤلف كتاب (الكلمات الرئيسية: نظام اللغة الرأسمالية الحديثة)، بالتعليق على تلك التصريحات مضيفاً سطراً من التعليقات على تصريح بارا على التويتر : «أعلنت اللغة ميتةً في مكان الحدث».
تتساءل كاتبة المقال ريبيكا ستونر: لماذا يجب أن ننتبه إلى تلك الكلمات المستخدمة لوصف، وتبرير، «الاضطرابات» المعتادة الناجمة عن الرأسمالية الحديثة؟
وتقول ستونر: بأن دار» Haymarket» للنشر نشرت كتاب ليري وهو عبارة عن مجموعة من المصطلحات الحديثة تشمل كافة المجالات عالم الشركات والصحافة التجارية، وتلك الصديقة للشركات (التسلسل الهرمي، القدرة التنافسية الاحتضان الأكيد للتكنولوجيات الجديدة) على تلك الصديقة للبشر (الديمقراطية والتضامن، وتدقيق تأثير التكنولوجيات الجديدة على الناس وعلى كوكب الأرض).
ويقول ليري:» إن هذه الكلمات تضيق آفاقنا المفاهيمية، وتقيد مخيلتنا، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة لتصور طرق بديلة لتنظيم اقتصادنا ومجتمعنا.»
وتقول الكاتبة ستونر ساخرةً :»عندما نفهم وننشر مثل هذه اللغة لوصف حياتنا، فنحن نُعتبر «عمالاً جيدين».
ويقدم ليري، أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة واين ستيت، الدقة الأكاديمية لهذا الامتحان اللغوي. على عكس العديد من الأشخاص الذين يستخدمون عبارة «الرأسمالية الحديثة» بشكل عرضي كتعبير شامل عن أسباب قذارة حياتنا، حيث يُعرّف ليري المصطلح ويشرح لماذا هو اختار استخدامه.
إن استدعاء نظامنا الرأسمالي الحالي يوحي بذلك، على الرغم من التعبيرات الطنانة والتكنولوجيات اللامعة، فإن ما نعيشه هو مجرد التكرار الذي تلا النظام القديم للرأسمالية العالمية.
وكما يؤكد ليري: أن الرأسمالية تتوسع بمعدل لم يسبق له مثيل في مجالات جغرافية وثقافية ووجدانية غير متداولة سابقاً.
واستلهمت الكلمات المفتاحية من عمل سابق يحمل اسماً مشابهاً: كتاب «الكلمات المفتاحية: مفردات الثقافة والمجتمع» الذي تم نشره في 1976 للكاتب رايموند هنري وليامز المنظر الماركسي الويلزي.
وكان هدف وليامز، شبيهاً بهدف ليري، هو تشجيع القراّء على أن يصبحوا قارئين ومستمعين «واعين وناقدين»، لكي يروا لغة حياتنا اليومية «لا تقليدًا يمكن تعلمه، ولا توافقاً على قبوله.
وتكتسب الكلمات قُوّتها من خلال صفة المتحدثين بها، وتعتمد على قبول المستمعين أيضاً. يستهدف ليري في النصف الثاني من تلك المعادلة، ويعمل على كسر موجة الأساطير التي تخدم في النهاية النخب. «إذا فهمنا... [هذه الكلمات] أفضل»، يقول ليري، «ربما نحرمهم من قُوّتهم المغرية».
ولتحقيق هذه الغاية، يقدم ليري قاموساً يضم حوالي 40 كلمة رئيسية عن «رأسمالية الحديثة»، من «المسؤولية» إلى «العافية».
وباستخدام أدوات بسيطة- قاموس أكسفورد الإنكليزي، وقاعدة بيانات في Google، والتغطية الإعلامية للأعمال والاقتصاد- يقول ليري: إن كل كلمة رئيسية تقدم شيئاً لا يمكن الدفاع عنه بشكل أساسي حول المجتمع الرأسمالي الحديث ضمن حزمة معقولة ومحايدة، وحتى نهائية.
وعلى سبيل المثال: خذ كلمة «العزيمة» ليس هناك ما يدعو إلى الاعتراض على الإصرار على أن النجاح يأتي من العمل الشاق الذي استمر رغم التحديات والفشل والشدائد.
وقد يبدو الأمر وكأنه فكرة جذابة: من لا يريد أن يؤمن، كما تضعه مؤلفة كتاب «العزيمة: قوة العاطفة والشغف» الأكثر مبيعاً للكاتبة أنجلا داكورث، تقول: إن النجاح يعتمد على» شغفنا ومثابرتنا أكثر من مواهبنا الفطرية.
ويوضح ليري: أن المناقشات التي تدور حول كتاب «العزيمة» تتجنب وبدقة الحقيقة الأساسية والواضحة في الاقتصاد: «الفقر».
وداكورث وغيرهن من مؤيدي إيماءة «العزيمة» إلى الأفق المحدود للفرص المقدمة لأولئك الذين يعيشون في الفقر، لكنها تصر على أن «العزيمة» يمكن أن يساعد البشر «على تحدي الصعاب»..
وبحسب الكاتبة، يقبلون ضمنياً أن معظمهم سيفشل في القيام بذلك: هم ببساطة يوجهون البشر إلى القيام بأعمال شاقة وقاسية, وهذا هو، للقلة القليلة.
ويقسم ليري كلماته الرئيسية إلى عدة فئات، أولاً: «حديث جسد الإنسان الرأسمالي الحديث»، الذي يضفي على الشركات صفات الأجسام البشرية، مثل: الرشاقة أو المرونة، وينقل التركيز بعيداً عن الأجساد البشرية الحقيقية التي يولد عملها الأرباح. فمعظم لغة الرأسمالية الحديثة, بحسب ليري، «تتخيل أماكن العمل كأجساد تعمل فقط «روبوتات» دون إحساس، ناهيك عن النظر إليهم في كل لحظة كمجموعة من الأعباء.»
وثمة هناك «المفردات الأخلاقية للرأسمالية الحديثة»، التي تستخدم في كثير من الأحيان كلمات ذات معانٍ دينية قديمة ؛ يستشهد ليري بقصيدة في القرن التاسع عشر تشير إلى يسوع على أنه «قائد فكري». هذه القيم الأخلاقية، كما يقول ليري، يتم أخذها بشكل عام على أنها لا يمكن تمييزها عن تلك الاقتصادية.
وعلى سبيل المثال: يتم تقدير «العاطفة» مقابل قيمتها لرئيسك في العمل، إذا كنت تحب ما تفعله، فسوف تعمل بجد أكثر وتطالب بتعويض أقل.
وبعض الكلمات، مثل: «الحرفي»، فشلت في تزويد العمال بشعور بالغاية والاستقلالية. وأخيراً، هناك فئة من الكلمات التي تحتفل بإيجابية إمكانات التكنولوجيات الجديدة، مثل: «الذكية»: الثلاجة الذكية، والمحمصة الذكية، والمرحاض الذكي.
وكما يظهر ليري، تعكس هذه الكلمات الرئيسية مصالح الطبقة المهيمنة وتدعمها.
وصاحب المشروع وحده يخلق ثروة شركته الباهظة- وليس عماله.
إنه مفهوم مفيد للغاية للمليارديرات: في النهاية، لماذا أُعيد توزيع تلك الثروة، من خلال الضرائب أو الأجور الأعلى، إلى أولئك الذين لم يخلقوها؟
في هذه المقالات القصيرة، يقوض ليري ما يصفه العالم اللغوي السوفييتي فالنتين فولوشينوف على أنه هدف الطبقة المسيطرة: «إضفاء طابع أبدي على العلامة الأيديولوجية، لإطفاء أو لدفع الصراع بين الأحكام القيمية الاجتماعية التي تحدث فيه.
وفي حالة «صاحب المشروع»، على سبيل المثال، يبين ليري أن الكثير من الصراع بين الأحكام الاجتماعية يرد في الكلمة.
وعندما نتحدث عن «رواد الأعمال», فإننا نقبل ضمناً وجهة النظر التي تقول أنه تم خلق الثروة من قبل رواد الأعمال من خلال عملية إبداعية وتدمير مبدع- بدلاً من اعتقاد ماركس بأن الثروة يتم تخصيصها للطبقة البرجوازية عن طريق الاستغلال.
ومن خلال إظهار كيف تحولت معاني الكلمات هذه بشكل كبير، يقترح ليري: أنه قد يتغير أكثر، وأنّ التعريفات التي وضعتها الطبقة الحاكمة ليست دائمة. وبينما يستكشف كيف بدت لغتنا، فإن ليري يدعونا إلى تخيل ما يمكن أن تشدد عليه لغتنا، والقيم التي قد تعكسها.
ماذا لو قاتلنا «من أجل وقت حر، وليس من أجل «مرونة»؛ للرعاية الصحية المجانية، وليس «العافية» ؛ والجامعات الحرة، وليس «سوق الأفكار»؟
ويذكرنا كتابه بالبدائل التي لا تزال قائمة وراء هذه الكلمات الرئيسية: مدراؤنا قد يطلقون علينا «رأس المال البشري»، لكننا أيضاً عمال. نحن أيضاً بشر.