مستويات الهيمنة عند غرامشي
لؤي محمد لؤي محمد

مستويات الهيمنة عند غرامشي

الهيمنة الثقافية هي سيطرة الطبقة الحاكمة على المجتمع وصناعة الأيديولوجية السائدة التي تعتبر صالحة لكل مكان وزمان، وتبرر الوضع الراهن الاجتماعي، السياسي والاقتصادي كأنه الوضع الطبيعي والحتمي، الأزلي، ومفيد للجميع بدلاً عن كونه بنية اجتماعية مصطنعة لا تستفيد منها سوى الطبقة الحاكمة.

دخلت مصطلحات الهيمنة الثقافية حقل العلوم السياسية بتأثير أفكار الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي الذي كان معارضاً للحركة الفاشية، ودرس قدرتها على الهيمنة على المجتمع الإيطالي.
يرى غرامشي بأن القوى الكبرى تحمي مصالحها عن طريق السعي نحو الهيمنة، إذ يرى بأن المناصب والمسمّيات الحكومية ليست نهاية طريق الهيمنة، بل مجرد بوابة تقود نحو صناعة ما سمّاه «المجتمع السياسي» الذي يعكس جوهر الدولة وحصنها المنيع. فالدولة هي ليست الحكومة؛ إنما هي المجتمع السياسي الذي يضمّ الحكومة والشرطة والجيش والمنظومة القانونية، إلى جانب المجتمع المدني والمنظومة الاقتصادية البرجوازية التي تضم الأفراد المنتفعين.
نجحت الرأسمالية سواء بمفهومها المتقدم اقتصادياً، أو داخل البلدان الهشة والفقيرة، بفرض نظام هيمنة من طبقتين، الأولى: تسيّر بطريقة القوة؛ وتتمثل بالحكومة والشرطة والجيش والقضاء، أما الثانية: تسير بمفهوم التراضي عبر منظومة الاقتصاد ومجتمع المنتفعين.
قدّم غرامشي الذي لم يعاصر الحرب العالمية الثانية، ولا تشكُّل ملامح النظام العالمي ما بعد الحرب، نموذجاً لمستويات الهيمنة السياسية والثقافية:
المستوى الأول: عالمي، وتمارسه القوى الكبرى على دول العالم وأنظمتها، وتنضوي تحت هذا المستوى هيمنة اللاعبين الدوليين الكبار، إضافة إلى اللاعبين الإقليميين المؤثرين في جوارهم، إلى جانب سطوة المؤسسات الدولية التي تخدم مصالح اللاعبين الكبار، لا سيما سلطة النقد والبنك الدولي ومجلس الأمن، وغيرها من المؤسسات أو الشركات عابرة القارات.
المستوى الثاني: محلي، ويمارسه المجتمع السياسي «الدولة» على الشعب، وتسعى الدولة إلى قيادة الشعب عن طريق القوة «القمع» حين تفشل في قيادته عن طريق التراضي «العقد»، أي: أنّ الهيمنة الثقافية هي أساس ممارسة السلطة، أما الدولة فهي هيمنة محصَّنة بالقمع. وتلجأ الدولة إلى مؤسسات التعليم والدِّين والإعلام لفرض هيمتنها، إذ تشترك المدارس والمعابد الدينية والإعلام في عملية القمع الناعم وتعليب الأفكار والاتجاهات بطريقة لا تقل خطورة عن أدوار الشرطة والقضاء والجيش