مسرح الدمى في سورية.. عرائس الطفل في أزمة أيضاً!
سامر محمد إسماعيل سامر محمد إسماعيل

مسرح الدمى في سورية.. عرائس الطفل في أزمة أيضاً!

لا ينكر أحد التاريخ العريق لمسرح الدمى، وما ساهم به هذا النوع من المسرح في تشكيل وعي الطفل السوري على مدى أكثر من نصف قرن؛ إذ يعود تأسيس أول فرقة لمسرح العرائس في سورية إلى النصف الثاني من عام 1960 حين استقدمت مديرية الفنون في وزارة الثقافة ثلاثة من الخبراء اليوغسلاف بفن العرائس؛ وأجرت مسابقة لانتقاء لاعبي دمى تقدم إليها عدد من الشباب الهواة؛ تم اختيار الأفضل منهم لتكون النواة الأولى لمسرح عرائس دمشق في حي المهاجرين بإدارة الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي، الأسماء التي اشتغلت في هذا النوع من المسرح كانت أسماء كبيرة بحق، ومنهم يوسف دهني؛ محمد عدنان اليغشي؛ محمود المعلم ؛تيريز أشقر؛ ياسين بقوش؛ أحمد جيجكلي، نادرة ملص؛ انتصار شما؛ توفيق العشا؛ علي القاسم؛ فاطمة الزين؛ يوسف حرب؛ حيث قدم هؤلاء عدداً كبيراً من المسرحيات المبنية على النصوص المحلية والمقتبسة بالاعتماد على أساليب جديدة ومتنوعة في تقنيات المسرح؛ منها عرائس القفاز والعصي والأقنعة والخيوط والدمى الكبيرة والمسرح الأسود الذي يعتمد على الأشعة فوق البنفسجية إضافة للمسرح الإيمائي.

البداية الفعلية لمسرح العرائس كان أول عروضها في نيسان من عام 1961 إذ قدم باكورة أعماله للأطفال في صالة التجهيز الأولى للبنات في مدرسة زكي الأرسوزي في دمشق؛ وهي مسرحيتا «البطة ذات التاج الذهبي» تأليف كيرنتوفا و«بيت الدببة الثلاثة» تأليف فوميل رابدان وإخراج التشيكي بوجوكوكوليا؛ فلمسرح الدمى في سورية تاريخ عريق قدم عبره عروضه الفنية الشيقة والهادفة في صالات المدارس المناسبة والقريبة من مراكز تجمع المدارس الابتدائية في الأحياء المختلفة من مدينة دمشق؛ وذلك ليوفر على الأطفال مشقة الانتقال البعيد، ففي قاعات وصالات كل من المسرح العسكري والاتحاد العام لنقابات العمال ومسرح القباني وصالة الحمراء وصالة معهد الحرية ودار السلام ومسرح الثانوية البطريركية والمراكز الثقافية؛ قدم «العرائس السوري» أيضاً عروضاً مختلفة إضافةً لتقديم مسرحياته في الحدائق العامة في دمشق؛ مُسهماً في إدخال البهجة إلى قلوب الأطفال في معسكرات طلائع البعث والشبيبة في كل من دمشق واللاذقية والمحافظات السورية؛ إذ أقام عدة دورات تدريبية آنذاك في فن تحريك وصناعة العرائس لمعلمي ومعلمات المدارس الابتدائية في كل من حماة ودير الزور وحلب؛ كما استطاع هذا النوع من المسرح منذ بداياته أن يستقطب إليه كتّاباً ومترجمين ومعدي نصوص ومخرجين مهمين كان أبرزهم كلاً من إلياس مرقص؛ ظافر عبد الواحد ؛ شريف الراس ؛ نجاة قصاب حسن؛ ميخائيل عيد وغيرهم..

 

العرائس الممزقة 

يعاني «العرائس السوري» اليوم من مشكلات كثيرة؛ أولها عدم عدّه في سلم أولويات مديرية المسارح. الفنانة سوزان سلمان تحكي عن همّها: مسرح الطفل في سورية متمركز بشكل شبه كامل في مسارح العاصمة مع أنه من الأهمية بمكان أن يكون موجوداً في جميع المحافظات السورية؛ إضافة إلى ضرورة العمل على توسيع انتشاره بعيداً عن الطريقة التي يتم التعامل بها مع هذا النوع من المسرح من فرق منظمة طلائع البعث التي أنتجت الكثير من الأعمال لمسرح الطفل كيفما اتفق.

المسرح الوحيد في سورية المخصص لمسرح العرائس موجود في دمشق «مدرسة اللاييك» لكنه يعاني أزمات عدة كما ترى الممثلة سلمان: أهمها افتقاره لصانعي الدمى، ومع أنه تم العمل أكثر من مرة على تحقيق ورشة لاستقطاب خبراء في تصميم الدمى والعرائس من لبنان وروسيا والصين تمكن الاستفادة منهم في هذا المجال؛ إلا أن ذلك يحتاج إلى التعاون مع خريجي قسم النحت في كلية الفنون الجميلة والتعاقد معهم من أجل خلق كوادر جديدة متفرغة للعمل مع مسرح الدمى- كما تقترح سلمان. أزمة أخرى يعانيها «العرائس» هي عدم تخصيص ميزانية له، تتابع سلمان: (إن ميزانية مديرية المسارح في كتلتها الكبرى تذهب نحو إنتاج أعمال للمسرح القومي ويكون ذلك على حساب الميزانية المخصصة لمسرح الطفل عموماً والعرائس خصوصاً، علماً بأن مسرح الدمى يحتاج إلى كوادر كبيرة تساهم في تفعيل دوره؛ بحيث لا يقتصر على عروض الدمى القفازية والجاوا ودمى اللباس متناسياً عرض الماريونيت بحجة أنه ليس لدينا من يصمم هذا النوع من الدمى؛ فضلاً عن أن المسرح المخصص لهذا النوع من العروض لا يساعد على ذلك؛ ربما يحتاج مسرح العرائس إلى إقامة مهرجانات جديدة تعزز التنافس والخبرات الوطنية من خلال إقامة ولو مهرجان واحد لفرق عربية؛ يستطيع من خلاله فنانو مسرح الطفل تطوير خبراتهم؛ ما يتطلب تفعيل دور مديرية المسارح في رقابة مسارح الأطفال الخاصة التي تسيء للطفل بتكريس أنواع خاطئة من السلوك وتقديم معلومات غير دقيقة للمتفرج الصغير؛ ولاسيما على صعيد النصوص التي تقدمها هذه المسارح التجارية للطفل السوري؛ ما يعطي دوراً جوهرياً لمديرية المسارح في رقابة النصوص فنياً وتربوياً والاستفادة من التراث ولاسيما مسرح خيال الظل).

 

الدمية رفيقة الطفولة 

إن ممثل الدمى يتطلب طاقة استثنائية لا تتلاءم مع أجره.. توضح الفنانة رنا صعب-محركة دمى: «إن ممثل الدمى يبذل أضعاف ما يبذله الممثل العادي على صعيد الصوت والمونولوج وابتكار الكاراكتر الخاص بالدمية التي يحرّكها؛ وبشغله على فصل الحواس ونقل المشاعر من الممثل إلى الدمية التي تُحرك بالأيدي؛ ما يترك فارقاً واضحاً بين الجهد الذي يبذله ممثلو الدمى؛ الأجور التي حددتها لهم المديرية؛ فهي أجور لا يمكن أن توازي الجهد المبذول لإنطاق الدمية وتحريكها وأنسنتها». كلام «صعب» عن مسرح العرائس السوري تواصله بالقول: «عالم الدمى هو من أغنى عوالم الطفل بما تكتنزه هذه الدمى من طاقة عالية في إثارة وتحريض خيال الصغار؛ فالدمية بمعناها المعرفي أداة قادرة على تطوير أحاسيس ومشاعر خفية لدى المتفرج الصغير، ولاسيما عند الفتيات الصغار اللاتي يعددنها بمنزلة صديق الطفولة؛ والملجأ الليلي للتكلم معها والبوح لها؛ والتعلم معها ومنها.

«مسرح العرائس لم يشهد تطوراً ملحوظاً بسبب إهمال وزارة الثقافة لدور الإعلام في الترويج عن العروض التي يقدمها مسرح الطفل في سورية؛ فالمهم اليوم ليس إنتاج العروض فحسب- تشرح الفنانة رنا صعب - بل كيفية الإعلان عنها، إضافة إلى تفعيل تواصل دائم مع رياض الأطفال ووزارة التربية والمسرح المدرسي والمعاهد الموسيقية والمؤسسات الداعمة من القطاع الخاص؛ وذلك بتوفير وسائط نقل خاصة للأهالي والأطفال من أجل حضور العروض؛ وتوزيع بطاقات الدعوة كما كان سائداً في الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت». إذاً يستطيع مسرح العرائس أداء عدة وظائف تربوية وجمالية منها طريقة تربية الطفل وتعليمه على احترام البيئة والحفاظ عليها؛ وذلك من خلال قيام الأطفال بتصنيع دمى من النفايات الطبيعية؛ ما يخلق حوافز لدى جمهور المتفرجين الصغار على توطيد علاقات مغايرة مع المحيط البيئي؛ وهذا لا يمكن إيجاده من دون إقامة ورشات خارجية وداخلية لفناني العرائس وشغلهم المستمر على «مسرح الشيء» لتنمية المقدرات الحسية والانفعالية لدى الطفل؛ تماماً كالمختبر الذي تمت إقامته في صيف عام 2008 مع خبراء دوليين برعاية الاتحاد الأوروبي وتلته عروض مهمة في دور الأيتام والمناطق والقرى النائية في سورية».

 

مطلوب بعثات 

مصمم الدمى الفنان العراقي عاصم خيال يرى أن المشكلة الجوهرية في مسرح العرائس السوري تكمن في: (الكوادر القديمة الموجودة وعدم إتاحة الفرصة أمام جيل الشباب لتقديم رؤى مختلفة على دمى مسرح الطفل إضافة إلى غياب هذا النوع من الفنون عن مسارح المحافظات؛ وعدم مبادرة مديرية المسارح بتأسيس فرق جديدة هناك؛ فالمهم اليوم توفير الورش المختصة للعاملين في مسرح العرائس وإيفاد بعثات في تصنيع وتصميم وتحريك الدمى من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بغية الوصول إلى خبرات ودماء جديدة في مسرح الطفل السوري بعيداً عن الكليشيهات الموجودة؛ فضلاً عن توفير المواد المهمة لتصنيع الدمى؛ وهي مواد غالية الثمن كمادة «اللاغو بلاتيكس» التي تدخل في تصنيع معظم أجزاء الدمية المسرحية).

يتوضح أنه في الإمكان الاستفادة من البعثات الخارجية للاطلاع على تجارب مسارح الدمى والعرائس في التشيك وإيران وغيرها من الدول التي لديها باع طويل في صياغة الدمية المسرحية- يتابع الفنان خيال كلامه: إضافة إلى ضرورة ترجمة مصادر جديدة للعاملين في مسرح العرائس للعودة إليها؛ فرغم أن مسرح الدمى ليست له مناهج محددة؛ إنما من الممكن الإفادة من هذه المصادر لإغناء مسرح الطفل السوري، مثلما تمكن إقامة محترف لمصممي الدمى في سورية لإنتاج دمى ذات طابع احترافي توفر العديد من الخيارات أمام العاملين في مسرح العرائس؛ وهذا لا يتم من دون دعم حقيقي من مديرية المسارح والموسيقا وتوفير المواد اللازمة والخبراء في هذا المجال مع رفع مستوى الأجور لهؤلاء للوصول إلى مسرح عرائس احترافي بكل معنى الكلمة» مسرح له طابع ذو صبغة محلية تستفيد من تراثها الحكائي، ومن قدرة الإنسان السوري على محاكاة الواقع واستقرائه مسرحياً لجمهور المتفرجين الصغار.

 

المصدر: تشرين