الحرب النفسية: تطوراتها.. وهدم الدول

الحرب النفسية: تطوراتها.. وهدم الدول

مئة ألف تغريدة يومياً تصدر على مستوى العالم، تبث الشائعات والمعلومات المغلوطة لمحاولة ضرب الاستقرار وإثارة الفتن الدينية والأثنية، والتشكيك في قيادات بعض الدول من أجل إثارة الفتن وخلق نوع من البلبلة، وذلك وفقاً لإحصائية أجرتها مجموعة الرؤية الاستراتيجية، روسيا والعالم الإسلامي، والتي مقرها موسكو.

يأتي خلف ذلك العدد المهول من الأكاذيب اليومية أجهزة استخبارات لدول كبرى من خلال لجان إلكترونية متخصصة في هذا المجال فقط، وهذا ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع.
الجيل الرابع
هو التطور الحقيقي للحرب النفسية التقليدية، والتي كانت تتم عن طريق نشر الأكاذيب عبر وسائل الإعلام، أو عن طريق الطابور الخامس في بعض الدول، حيث يبثون الإحباط ونشر الأخبار الكاذبة في أماكن التجمعات، وذلك خلال الحروب التقليدية، مثل: الحرب العالمية الثانية، واستمرت تلك الحرب النفسية التقليدية حتى احتلال العراق في عام 2003، وقد حققت العديد من النجاحات في هذا الوقت.
ومع تطور التكنولوجيا المعلوماتية، وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت تتطور الحرب النفسية، بل إن أجهزة الاستخبارات التي تعمل في هذا المجال، وجدت ضالتها في كيفية ايصال الرسالة المطلوبة إلى المتلقي في ثانية واحدة، لتنتشر بعد ذلك كالنار في الهشيم، وتحقق الهدف المطلوب منها.
ومع بدء التخطيط لمشروع الشرق الأوسط الموسع الذي تم إقراره في قمة حلف الناتو في اسطنبول في عام 2004، والذي يهدف إلى إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وتدمير الجيوش الوطنية وتغيير عقيدتها، تم البدء في إطلاق مشروع حروب الجيل الرابع من خلال مواقع التواصل، ومن خلال تدريب مجموعات من الشباب في الخارج على شن تلك الحروب لتمهيد الطريق للعملية الكبرى، وهو تدمير الدول ذاتياً من الداخل، من خلال ما أطلق عليه مسمى الربيع العربي.
تعريفات
تعد حرب الجيل الرابع هي التطور للحرب النفسية التقليدية. مضمون الحرب النفسية موجود منذ بداية الصراع الإنساني، لكن اختلاف الاصطلاح يرجع إلي اختلاف المفهوم. فمثلاً، البريطانيون يطلقون اسم الحرب السياسية علي النشاط الذي يعرفه الأمريكيون باسم الحرب النفسية، وقد وصف (سير روبرت لوكهارت) المدير العام للجنة التنفيذية للحرب السياسية في الحرب العالمية الأولى الحرب السياسية بأنها عبارة عن تطبيق الدعاية لتخدم حالة الحرب، وعرفها الرئيس الأمريكي في حينه (بتعبيد الطرق أمام القوات المسلحة) وتسهيل مهمتها، وهذا المفهوم لا يختلف كثيرا عن التعاريف الواردة للحرب النفسية.
ومن أوائل التعريفات التي ظهرت للحرب النفسية ذلك التعريف الأمريكي الذي يقول (إن الحرب النفسية هي استخدام أية وسيلة توجد للتأثير في الروح المعنوية، وفي سلوك أية جماعة لغرض عسكري معين، وقبل ظهور هذا التعريف قدمت مدرسة الجيش البري التعريف التالي:
تتضمن الحرب النفسية استخدام الدعاية مع عدو، مع استخدام عمليات عسكرية أو إجراءات أخرى تدعو الحاجة إليها لتكملة مثل هذه الدعاية. وبعد ثمانية عشر شهراً من ظهور التعريف السابق، قدم الجيش الأمريكي معجماً جديداً يتضمن المصطلحات الحربية، عرّف الحرب النفسية بأنها (استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب، أو في وقت الطوارئ لإجراءات دعائية بقصد التأثير في آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة، تعمل على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها.
ظهر معجم آخر للبحرية الأمريكية عام 1946، وأعيد طبعه في عام 1950 جاء فيه: إن المهمة الأساسية للحرب النفسية، هي فرض إرادتنا علي إرادة العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير الطرق العسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية، وجاء في هذا التعريف أن الحرب النفسية قد تكون قصيرة المدى فتشمل: أ‌- الدعاية الإستراتيجية. ب‌- دعاية القتال. ج- نشر الأخبار. د- خداع العدو بطريقة منظمة محكمة. ه- دعاية سرية.
ويعرف الأمريكيون الحرب النفسية: أنها سلسلة من الجهود المكملة للعمليات الحربية العادية عن طرق استخدمها النازيون، أي: لها تصميم وتنفيذ الخطط الاستراتيجية الحربية والسياسية على أسس نفسية مدروسة.
أما من وجهة نظر الألمان، فقد تضمنت هذه الكلمة تغيراً طرأ علي عملية الحرب النفسية ويقدر (لاينبارجر) في تعريفه للحرب النفسية، والذي ورد في كتابه (علم النفس) الصادر عام 1955 أن الحرب النفسية (استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية اقتصادية أو سياسية.
أوردت الموسوعة العربية الميسرة تعريفاً يكاد يتقارب مع التعريفات التي وُضعت للحرب النفسية في العصر الحديث، يقول من ضمن تعريفه لمادة حرب: (هي حرب أهلية يهمها تخريب وتدمير قوات المحاربين وممتلكاتهم وغير المتحاربين بهدف إملاء شروط معينة على الفريق المهزوم، وإملاء عقيدة دينية، أو مذهب سياسي، أو حماية تلك من أي عيب). ويعد هذا التعريف أقرب التعريفات الواردة في المعاجم العربية للحرب النفسية، حيث قال: إنها تهدف لإملاء شروط معينة أو عقيدة دينية أو مذهب سياسي.
ومما لاشك فيه أن الحرب النفسية تعد جزءاً من النشاطات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تتم خلال الحرب الفعلية، أو الحرب الباردة، ومن هنا جاء اتصالها بعلم السياسة من حيث كونها في النهاية تقوم لخدمة سياسة الدول المصدرة لها والقائمة عليها، ولا ريب فى أن سياسة الدولة المصدرة للحرب النفسية هي التي تضع الإطار والضوابط لهذه الحرب.
الحرب النفسية بعيدة المدى
تتضمن الحرب النفسية بعيدة المدى، نشر الأخبار بطريقة مستمرة وبوسائل شتى بغرض مساعدة السياسة الخارجية للدول ورفع سقفها والحصول علي التعاطف والتأثير.
والحرب النفسية هي استخدام علم النفس بصفة عامة وعلم النفس العسكري بصفة خاصة، لإحراز النصر، وإن شنّ أية حرب نفسية ضد ما يعني وجوب معرفة الخصم، أي: دراسة الجوانب النفسانية، لأنه يمثل المدخل الذي يحكم السلوك لدى الطرف الآخر. وهنا تبرز أهمية علم النفس والمدرسة السلوكية كأحد الأسس المهمة لفهم وشن الحرب النفسية الحديثة، وذلك لأن علم النفس وحده بما يدرس من السلوك الإنساني، وما يضع من أساليب دقيقة لقياس مقدرات الأفراد واستعداداتهم، وما يتوصل إليه من فهم لروح الجماعات، هو الذي يستطيع أن يسدد الخطا نحو الوفاء بمطالب الحياة العسكرية في العصر الحديث، الذي فطن له الغرب فاهتم قادته باستيفاء حاجة الجيوش من الإحصائيين النفسيين، ومن هنا جاء الاهتمام به كميدان لا يمكن للعسكرية الحديثة الاستغناء عنه.
العلاقة بين
الحرب النفسية والحرب الأخرى
في خضم الصراع لابد من إعداد الدولة للحرب، وذلك بتوفير جميع المستلزمات وجميع المتطلبات التي تحتاجها لخوض الحرب، ومباشرة الصراع بعد الأخذ بمجمل أسباب القوة المادية والمعنوية، وتلك التي تهيأ عادة للحرب خصوصاً، وذلك بتسخير جميع قدرات وموارد الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية لتستطيع تحقيق خططها وسياساتها الاستراتيجية الهادفة إلى سعادة الإنسان، عبر ما يمكن أن نطلق عليه (الحرب السياسية) التي هي بمجملها (حرب العقل والحكمة)، وحرب المنطق والإقناع، وحرب الشجاعة والإدارة، وحرب العلم والمعرفة، وحرب الفكر والعقيدة، وحرب الاتجاهات والرأي العام، وحرب الروح وروح الأمة الحية، مع التأكيد: أن الحرب السياسية تتقدم على العمليات العسكرية، ولكنهما معاً تعملان بانسجام تام بهدف تحقيق الانتصار على الخصم في الصراع الدائر بين الطرفين.

عن مجلة السياسة الدولية

آخر تعديل على الإثنين, 10 أيلول/سبتمبر 2018 14:06