محاكمة الثلج
لؤي محمد لؤي محمد

محاكمة الثلج

هل سمعتم عن بلدان تحاكم الثلج في ربوعها؟ قد يبدو ذلك غريباً بالنسبة إليكم، تعرفوا معنا كيف وضعت محاكم التفتيش قوائم محاكمات الثلج وانتهت إلى تحطيم الأفلام السينمائية وهيمنة الرقابة الشمولية عليها.

عندما استسلمت هوليوود إلى لجنة الأنشطة غير الأمريكية في مجلس النواب، كان ذلك بداية لمعسكر اعتقال أمريكي. هزت هذه الكلمات قاعة المحكمة في واشنطن عندما صاح كاتب أفلام هوليوود دالتون ترامبو ضارباً بيده طاولة الاتهام. كان ترامبو واحداً من الكثيرين الذين رفضوا التعاون مع لجنة الأنشطة غير الأمريكية التابعة لمجلس النواب الأمريكي والتي حاربت التأثير الشيوعي في السينما والصور المتحركة.
معسكر اعتقال سينمائي
 قدم توماس دوهيرتي في كتابه «محاكمة الثلج» قائمة هوليوود السوداء، ويعد الكتاب الصادر عن جامعة كولومبيا الأمريكية مؤخراً، واحداً من أشهر الكتب التي بحثت في حقائق التاريخ. وعن التناقضات التي حدثت في صناعة السينما الأمريكية والتحقيقات التي أطلقتها هوليوود بحق السينمائيين بتهمة الشيوعية، تلك التحقيقات التي بلغت ذروتها عام 1947 وانتهت إلى وضع قائمة هوليوود السوداء التي قمعت السينما الأمريكية وجعلتها رهينة في يد المخابرات المركزية حتى اليوم.
وضح دوهيرتي طبيعة العلاقة المتوترة بين الإدارات والعمل السينمائي والأستوديوهات خلال الثلاثينات وأوائل الأربعينات من القرن العشرين، وكان يدير هذه العلاقات المتوترة التحالف الدولي للموظّفين المسرحيين. وبحلول نهاية عام 1945، شن هذا التحالف ضربات لم يسبق لها مثيل ضد اتحادات الأستوديو التي كانت تحتل مركز الصدارة.
في ثلاثينات القرن الماضي، حقق ديمقراطيو مجلس النواب في التأثير الشيوعي داخل هوليوود. وفي عام 1941 وجهت التهم المختلفة إلى الممثلين والمخرجين السينمائيين لمنع «التأثير الشيوعي المحتمل في الأفلام».
يقول دوهيرتي: تحولت هوليوود إلى سيرك للمهرجين، لم يكن ذلك طيشاً صاخباً أو زواجاً مشهوراً، بل كانت مواجهة بين الأمن القومي وحرية التعبير، بين الحزب الديمقراطي والشيوعية.
الوطنية المزورة في هوليوود
بدأت الصحف تتحدث عن وجود معسكرين داخل صناعة الأفلام السينمائية، تحالف الأفلام المناهضة للشيوعية للحفاظ على المثل الأمريكية، وعلى الجانب الآخر وقفت اللجنة المناهضة لهذه الإجراءات والتي قضي عليها بأحكام السجن والنفي والتسريح من العمل.
خلال جلسات الاستجواب المفبركة، جلبت السلطات شهود زور، بعضهم أصدقاء شخصيون للسينمائيين المتهمين، وبعضهم الآخر مالكو أستديوهات وارنر ووالت ديزني، وقدم نجوم مثل: غاري كوبر، ورونالد ريغان، وروبرت مونتغمري، «وطنيتهم المزورة» خلال المحاكمات. وضعت أسماء كل من جوني هوارد لوسون وألفاه بيسي وترامبو كأول ثلاثة سينمائيين ضمن قائمة هوليوود السوداء الطويلة، التي وضعت من قبل مالكي صناعة السينما.
قال دوهيرتي: إن الأمريكيين فقدوا ثقتهم بهوليوود، ورغم كل هذه الممارسات لم تستطع الولايات المتحدة كسر علاقة السينمائيين بالشيوعية، ولكن ساد رعب كبير بين جميع السينمائيين من غير الشيوعيين خوفاً من وضع اسمهم ضمن هذه اللائحة السوداء في هوليوود. وجهت الولايات المتحدة الضربات المتتالية إلى السينما الأمريكية، وولدت على أنقاضها سينما وارنر وديزني وغيرها من المؤسسات الكبرى التي كرست الرقابة الشمولية على السينما الأمريكية.
نفي كبار السينمائيين
نفي كبار السينمائيين الأمريكيين إلى الخارج بتأثير هذه الحملة، مثل: جوني هوارد لوسون الذي استقر في المكسيك، وأنتج أفلاماً عن العنصرية وحياة العمال، مثل: أفلام في معركة الأفكار 1953، والدولة الحبيبة 1951، كما ألف كتباً حول طرق هوليوود في تسميم عقول الطبقة العاملة الأمريكية ودور الماركسية في تطور الدراما الأمريكية.
قال لوسون: يشاهد العمال وأسرهم الأفلام السينمائية التي تحثهم على احتقار القيم التي يعيشون بها، ومحاكاة القيم الفاسدة لأعدائهم واحتقار وتخوين العمال الذين يسعون لحماية مصالحهم الاجتماعية وترويج الصور المهينة للنساء والتحريض على الجريمة.
كما نفي السينمائي الكبير تشارلي تشابلن عام 1951 الذي علق على ذلك قائلاً: «لم يكن يهمني أن أعود أو لا أعود إلى ذلك البلد البائس. ولقد وددت أن أقول لهم، أنه كلما بكرت في التخلص من ذلك الجو المشبع بالكراهية يكون أفضل، وأني لم أعد أتحمل إهانات أمريكا وأخلاقها المتبجحة وأن كل ذلك ينهكني».
كلمة أخيرة
كتب كريستوفر يوغريست مراسل واشنطن بوست بتاريخ 13 نيسان الماضي، عن التاريخ الأسود لهوليوود في ملاحقة السينمائيين وفرض الرقابة البوليسية، كما يزخر كتاب البروفيسور هاورد زين «القرن العشرون» الصادر عام 2003 بعشرات الأمثلة عن محاربة الولايات المتحدة للسينما والأدب والفن الأمريكي خلال القرن العشرين. ويوثق فيلم «ترامبو 2007» تلك الفترة العصيبة التي أدت إلى ملاحقة السينمائيين داخل استديوهات هوليوود.
لم تقتصر هذه الحرب على السينما فقط، بل شملت الكاريكاتير والأدب والفن والموسيقا والصحافة والجامعات التي خنقتها الرقابة الأمريكية وصبغتها بلون واحد مهيمن وإن كانت تظهر بشكل متنوع شكلاً.
تحاول الولايات المتحدة بأدواتها القديمة تلك، أن تخوض اليوم معركة جديدة في السينما والأدب والفن والإعلام والجامعات العلمية على مختلف الصعد، في محاولة لكبح حركة التاريخ الذي تجاوزها، ومنع تبلور البدائل العالمية. ولكن يبدو أن التاريخ لن يسمح بتكرار محاكمات الثلج في القرن الواحد والعشرين.