تَعَلّم القيادة من كتب الاستعمار «الناعم»
في العقود الماضية والهجوم الثقافي (الناعم) الذي خاضه الفكر الليبرالي لضرب فكرة الأحزاب التغييرية، وتفكيك وتفتيت القضايا الاجتماعية التي تتوحد في إطار بنية النظام الرأسمالي، تم تفريخ عشرات الآلاف من الجمعيات (غير الحكومية) والمدعومة بغالبيتها من المركز الرأسمالي بشكل مباشر، أو عبر صناديق تمويلية مخترعة. جمعيات حماية البيئة وتعزيز الصحة ودعم التعليم و)مكافحة الفقر) ودعم الفنون وغيرها، حيث قضية (التدريب على القيادة) هي أحدها، أو تحت اسم (الشباب القيادي) أو (الشخصية القيادية) مثلاً.
الهدف المعلن من هذه القضية، هو حسب زعم هكذا جمعيات: إنتاج جيل من الشباب القادر على العمل الاجتماعي، وقيادة العمل في مختلف الميادين. حيث (القيادة) هي التركيز على الصفات الشخصية وأساليب الممارسة التي يجب على الفرد (القائد)أن يتبعها من أجل أن يصير (قائداً) في مجال ما.
ضد (القائد الجماعي)
مع (القائد الفردي)
من أهداف عناوين مثال: (التدريب على القيادة)هو ضرب فكرة القائد الجماعي، التي هي من أهم الدعائم الفكرية التي واجه فيها الفكر الليبرالي، فكرة النضال والعمل الحزبي خلال العقود الماضية، في هجوم مباشر على أحزاب التغيير الجذري الماركسية خصوصاً، فكانت تسخيفاً ورفضاً لفكرة (الخضوع للقائد)على أساس أن هكذا منطق يعزز (الفكر الهرمي) و(الشمولي) و(تغييب الفرد في صالح المجموع) في (خضوع للقائد المسيطر).
فبناءً على حالة موضوعية في تقدم الجانب الذاتي للحاجات الفردية، خلال تحول أشكال الاستغلال من مباشر إلى أكثر تغليفاً في العقود الماضية، وتلاقياً مع تعزيز الفكر الفردي الذاتي، القائم على هذا التقدم في الحاجات المعنوية للأفراد، تتموضع فكرة الهجوم على (القائد الشمولي) المزعومة، لصالح (القائد الفردي) المطلوب الترويج لها. إذاً، المطلوب، هو: أن تكون هذه الجمعيات هي مصنع للقادة بمعزل عن القضية التي يحملونها، فمجرد أن يخضع الفرد لبرنامج تدريبي ما، يصير تلقائياً قائداً، من خلال استقطاب الشباب الطامح لكي يكون له دور ما، ولكن على أساس عزل الفرد عن حالة جماعية واسعة، هي التي تنتج دوره القيادي. أي: بمعزل عما يمكن أن يقدمه هذا الفرد للقضية الاجتماعية الشاملة، التي هي نقل المجتمع من حال الاستغلال إلى حال العدالة والتحرر الاقتصادي والاجتماعي الشامل.
إن إخضاع الشباب لوهم ذاتي بكونهم يملكون صفات القيادة الذاتية، يقطع عليهم الطريق الموضوعي لكي يكونوا ضروريين للمجتمع ككل، من خلال حملهم لقضية المجتمع الكلية في مرحلة تاريخية معينة، ومدى فعاليتهم وقدرتهم على التأثير في القضية وإيصالها إلى أهدافها الضرورية (التغيير الشامل)، التي هي وحدها تعطيهم دور المسؤولية. فالتأثير في القضية الشاملة وإنجاحها، هو التعبير العملي عن دور القائد الاجتماعي، فالقيادي ليس إلا الفرد المسؤول عن القضية التي يناضل من اجلها ضمن المجموع، ويملك صفة تمثيل هذا المجموع باعتراف المجموع نفسه، وليس من ذاته وبذاته يصير في هذا الموقع التمثيلي. إذاً دون القدرة على تحمل المسؤولية في تكثيف الحركة الصراعية وإنجاحها في مراحلها وتعرجاتها، لا وجود لفكرة القيادة، أو صفات القائد بالمطلق. ولكن هذا ما هو مطلوب ضربه ضمنياً في فكرة (التدريب على القيادة).
ضد القائد البيروقراطي
والدكتاتور الفرد!
الدعامة الأخرى التي تتلاقى مع الأولى(ضرب فكرة المسؤولية عن القضية الاجتماعية ككل) هي اعتبار المنطق الليبرالي: أن (عبادة الفرد)في الأحزاب الماركسية والثورية عامة هي تثبيت للبيروقراطية والدكتاتورية في هذه الأحزاب والمجتمع عامة. لذلك المطلوب هو أن يكون القائد فرداً دون قضية، أو دون بشر يمثلهم في دوره المسؤول، أن يكون فقط (ناشطاً)حسب المصطلح الدارج، أي: تفريغ دور القيادة، وتقزيمه إلى حالة ذاتية فردانية معزولة، عندها فقط يصير القائد الفرد غير دكتاتور شمولي، وغير بيروقراطي.
نماذج عن أساليب القيادة التغييرية، هل نحتاج دروساً من الغرب فعلاً؟
في حساب (منتسبو الحزب الشيوعي الصيني)على البرنامج الصيني المهم (وي تشات)أو (نَتَحادَث) (wechat)، نشر الشهر الماضي مقال عن أسلوب (ماو تزي دونغ)في تعاطيه مع أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، ومسؤولي البلاد، خلال ممارسته المسؤولية والنضال(القيادة)، والذي يحمل بعضاً من السمات التالية: رفض أن يلقي أي مسؤول عن أي ملف في البلاد محضراً أو تقييماً من خلال نص مكتوب، بل أن يكون الحوار دون (جمود الورقة وبرودة الحوار)، وأن يكون التقييم تفاعلياً من خلال تبادل الأفكار والنظرات، فكان يقول: (من يقرأ من تقرير مكتوب سوف يدفعني للنوم)، وهذا ليس رفضاً للمكتوب ولكن حول كيفية عرض المادة للحضور. كان ماو يرفض أيضا الطاولة غير المستديرة، أو التي تثبت هرمية ما بين المتحاورين وتضفي جواً (رسمياً غير ودي على الاجتماع). وعند بدء أي اجتماع مع مسؤول ما لا يعرفه ماو مسبقاً كان يفتتح الحوار بأفكار تكسر الحواجز الرسمية وتضفي جواً من الإلفة والصلة الفردية، ليكون من سيتلو التقييم مرتاحاً وأقل قلقاً وأكثر تلقائية. وكان يرفض أن يكون التقرير إيجابياً بالمطلق، لا يتضمن النواقص في القضية، بل أن تكون المشاكل هي جوهر التقارير كونها التي ستدفع للحلول.
هكذا أمثلة عن ماو (الدكتاتور والبيروقراطي)تظهر على العكس ممارسة ديمقراطية ومسؤولة، النابعة من الحرص والوعي العلمي والتقدير الدقيق للوضع والإمكانات والضرورات، والصدق في تمثيل قضية الجموع المقهورة الطامحة للتحرر، واجعل الهواء أكثر حياة، فيصير الجميع أحراراً (ماو تزي دونغ) وهي تولد من خلال المعاناة والممارسة والتجريب والتعلم اليومي، لا في كتب السفارات الاستعمارية وأدواتها .