مهرجان الأغنية الفراتية
أن تستمع إلى موسيقا وغناءٍ تراثي شرقي، فإنها ستسحرك فوراً بحِنيتها وتأسرك بحزنها المضمخ بعرق ودم شعوب الشرق على مدى عهود، وإن لم تفهم لغتها، أو تدرك معانيها، فهي تخاطب أحاسيسك وتنقلك إلى عوالم متنوعة وعميقة في الحضارة والتاريخ.!
فكيف إذا كانت، في تختٍ موسيقيٍ شرقي، وتوزيعٍ أو برالي هارموني تتخلله بعض الآلات الغربية.؟
مهرجان الأغنية الفراتية الأول
في مجمع دمر الثقافي في دمشق، وعلى مدى يومي 3- 4 /12/2017 أحيت فرقة التراث السوري للموسيقا بقيادة الفنان نزيه أسعد مع خمسة نجوم من المطربين الفراتيين، مهرجاناً غنائياً تحت عنوان (تحيةً إلى دير الزور) قدمت فيه حوالي 20 أغنية فراتية وتراثية، وهي المرة الأولى التي تتاح فيها الفرصة للتعريف بالأغنية الفراتية أكاديمياً، وتقدم للجمهور الدمشقي، وأهالي دير الزور المهجرين، ومع فرقة متميزة، وبآلاتٍ موسيقية وترية وآلة نفخية هي: الناي. في بداية كل أغنية مقدمة موسيقية من مقام الأغنية، حيث يتحاور البزق والعود مع التشيلو، أو الناي والقانون مع الكونتر باص، بين القرار والجواب موسيقياً، أو تسيل نغمات الكمان، كانسياب نهر الفرات، في إيقاع هادئ كرنين أجراس الأغنام، وهجع الجمال، وأصواتٍ تعكس هسيس السنابل، وحداء حواصيد القمح، وترسم صورة المرأة الفراتية وهي تترهدن بين زرقة السماء وزرقة الفرات، حاملةً جرتها الفخارية لتملأها من مياه النهر، لتروي ظمأها وظمأ الآخرين، وقصص الحب والعشق الذي كان مباحاً ولم يكن محرماً كما يحرمه البعض اليوم، وآلام الفراق والحنين، في موواويل متنوعة من (العتابا) الحزينة التي تسمى فراقيات، أو المعبرة عن الحب والغزل، والتي تسمى هواويات من الهوى، أي: العشق، و(السويحلي) المعبر عن الحنين، في لوحاتٍ فنية أبدعها الشعب خلال صيرورته وسيرورته.
قدم للأغاني الشاعر مزاحم الكبع بمقاطع شعرية شعبية تعبر عن التمسك بالوطن والأرض ووحدة الشعب، ومنها:
أخبّركُم.. لساته الكلب (القلب) ينبض
ويغذي الجسم بالدم
وأخبّركُم لسه عيوني منتظرة
يومن نرجع ونلتم
اليوم الأول
الفنان الشاب مهند إسكندر: قدم أغنيتن، الأولى: ( يا بيتنا حِرّي وحجر) تعبر عن التمسك بالأرض بدءاً من البيت المبني من الحِرّي (الطين) والحجر. والثانية: (عاليغبوني) وتروي قصة عاشق لابنة الجيران، والعلاقات الاجتماعية الشعبية وبكلمات وصور بسيطة من البيئة.
الفنان اسكندر عبيد: قدم ثلاث أغانٍ، الأولى: (لشيل همّي وهمّك) تعبر عن مواجع الحب ومنها:
لشيل همّي وهمّك وأكضي الليل بعنيني... شخصك بالمَي اتراوى يومن نِمت بالليلي
والثانية: (يا غزال البر) وهي مستوحاة من البادية الفراتية. والثالثة: (يا بو ردانة) وأبو ردانة هي (البربانة) التي تصبّ القهوة للضيوف.
الفنان جمال دوير: قدم أربع أغانٍ، الأولى: (الموليه) وهي من أشهر الأغاني الفراتية شعبيةً، بكلماتها ولحنها الهادئ، حيث كانت الفتيات يغنينها أثناء اجتماعهن لـ (فتل) الشعيرية، الفنان أدّاها بطريقته الخاصة، وتتغنى بالمرأة الديرية ولباس العباءة المصنوعة من الحَبَر، أي الحرير، وهي مرتبطة بكون دير الزور محطةً من محطات طريق الحرير، ومنها:
الله على أبو الزلف عيني يا موليه
يا أم العبايا الحَبَر حِلوة يا ديرية
والثانية: (اللا لا) وهي بانسياب الموليه ذاته. والثالثة: (كلمات، كلمات) والرابعة: (شدّعي عليكِ يا غربة) وهما من ألحان جمال دوير والأغنيتان معاصرتان وتعبران عن عن مأساة أهالي دير الزور خلال الأزمة من تهجير وحصارٍ.
اليوم الثاني
الفنان الشاب أحمد الصالح: لم يمنعه فقدانه لبصره من أن يتلقى التراث سماعاً، وأدّى أغنيتين تراثيتين. الأولى: (يا خشوف) وتصور المحبوبة بالخشف وهو صغير الغزال ومنها:
يا خشوف ويا خشوف ويا خشوف مدكدكة الذرعان لحد الجفوف
والثانية: (الموليه) أيضاً، لكن بلحنها الأصلي، وببحة صوته الحزينة.!
الفنان عبد الوهاب الفراتي: كان مسك الختام، وقدم ستّ أغانٍ، الأولى معاصرة: (مُرْ يا مدلل واشرب جاي) والثانية تراثية (طولي يا ليلة) والثالثة تراثية من أغاني الحصاد (حاصود ماني حاصود) ومنها:
حاصود ماني حاصود جيت أخُم الكرايا
بيد أحصد وبيد ألكُــط وبيد أوزع هدايا
والرابعة تراثية: (يا ظريف الطول) والخامسة تراثية:(لِحْجَتْ توصي)
والسادسة: تراثية (عقرب بصدرك) ومقاماً عراقياً، يحتاج أداؤه لمقدرة فنية عالية (ربيتك زغيرون حسن ليش انكرتني).
فلاشات من المهرجان
أغلب الأغاني التراثية من التي أحياها الفنان الفراتي ذياب مشهور واشتهرت في الستينات.
اشتكى بعض الفنانين من قلة الحضور في اليوم الأول، بينما كان في اليوم الثاني كثيفاً، وأغلبه من الشابات والشباب.
اشتكى مع الجمهور من التغطية الإعلامية الضعيفة، رغم أهمية المهرجان، والمناسبة، وكان يجب التعاون بين وزارة الثقافة والإعلام، في النشر والتغطية.
المهرجان باسم «مهرجان الأغنية الفراتية الأول» وهذا يعني: أنه سيكون سلسلة، وهو خطوة جيدة تفتح للتعريف بالتراث الغنائي الفراتي، وليس غريباً عن المنطقة، فأول مغنية موثقة في تاريخ البشرية قبل 5000 عام هي: أورنينا مغنية معبد مملكة ماري.
الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان: نزيه أسعد، وتميزت بانسجامها وبالتقاسيم المبدعة المنفردة.!