العلاج بالصدمة

العلاج بالصدمة

تقول نعومي كلاين مؤلفة كتاب «عقيدة الصدمة»: إنه بعد ثلاثين سنة من استعمال صيغ الصدمة التي طبقت في تشيلي، عادت إلى الظهور من جديد، بعنف أشد بكثير، في العراق. فأولاً: جاءت الحرب، التي كان الهدف منها على حد قول مؤلفي مبدأ (الصدمة والرعب) العسكري، هو: «السيطرة على إرادة الخصم، وأحاسيسه وإدراكه وجعل الخصم عاجزاً بالمعنى الحرفي عن الفعل أو الرد».

وبعد ذلك، جاء علاج الصدمة الاقتصادية الجذري، الذي فرض، بينما كانت البلاد لا تزال تحت لهب النيران، من قبل المبعوث الأمريكي بول بريمر وذلك بالخصخصة الشاملة، والتجارة الحرة بصورة كاملة، وخفض الضرائب بنسبة 15% وخفض حجم الحكومة على نحو دراماتيكي.

وتمضي المؤلفة قائلة: أنها بدأت إجراء إبحاثها على اعتماد السوق الحرة على قوة الصدمة، قبل أربع سنوات خلال الأيام الأولى من احتلال العراق، وبعد قيامها بالتغطية الصحافية من بغداد لمحاولات واشنطن الفاشلة أن تنتقل بعد الصدمة والرعب إلى العلاج بالصدمة، سافرت المؤلفة إلى سريلانكا، بعد شهور عدة من وقوع كارثة تسونامي المدمرة، وشهدت نسخة أخرى من المناورة ذاتها كما تقول: حيث تقاطر المستثمرون الأجانب والمقرضون الدوليون على استغلال جو الذعر وتسليم الخط الساحلي الرائع برمته إلى المقاولين الذين سارعوا إلى بناء المنتجعات الضخمة، ومنعوا مئات الألوف من السكان الذين يعيشون على الصيد من اعادة بناء قراهم قريباً من الماء، وتنقل المؤلفة ما أعلنته الحكومة الأندونيسية في ذلك الوقت إذ قال ناطق باسمها: «في انعطافٍ قاسٍ للقدر، قدمت الطبيعة لسريلانكا فرصة فريدة، فمن رحم هذه المأساة العظيمة سيولد موقع سياحي ذو مرتبة عالية»، ففي الوقت الذي ضرب فيه إعصار كاترينا مدينة نيواورلينز، وبدأت جوقة الساسة الجمهوريين، وبيوت الخبرة، والعاملين على تطوير الأراضي واستغلالها، الحديث عن «الصفحات البيضاء» والفرص المثيرة، كان واضحاً أن هذا هو الأسلوب المفضل الآن لدفع أهداف تكتلات الشركات الكبرى إلى الأمام، وهو: استغلال لحظات الصدمة الجماعية للانخراط في هندسة اجتماعية واقتصادية جذرية.

وتستشهد المؤلفة بقول رئيس إحدى الشركات الأمنية في العراق، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية: «بالنسبة إلينا، وفر لنا الخوف والفوضى فرصة ذهبية» وهو يشير بذلك إلى أن الفوضى التي سادت العراق بعد الغزو، ساعدت شركته الأمنية المغمورة والتي تفتقر إلى الخبرة، على اقتناص 100 مليون دولار من الحكومة الأمريكية على هيئة تعاقدات، وتصلح كلماته، كما تقول المؤلفة، أن تكون شعاراً للرأسمالية المعاصرة، فالخوف والفوضى هما المحفزان على كل قفزة جديدة إلى الأمام.

قوة الصدمة والرعب العسكرية

تقول المؤلفة أنها عندما بدأت إجراء بحثها هذا على العلاقة بين الأرباح الهائلة والكوارث العظيمة، كانت تشهد تغيراً أساسياً في الطريقة التي يتقدم بها الدافع إلى «تحرير» الأسواق، في أرجاء العالم.

فهي بوصفها جزءاً من الحركة المناهضة للتنامي الهائل في قوة ونفوذ تكتلات الشركات الكبرى، كانت تألف رؤية السياسات المحابية لأصحاب الأعمال والمشاريع وهي تفرض من خلال عمليات لي الذراع التي تجري في مؤتمرات منظمة التجارة العالمية، أو الشروط التي تقرن بالقروض من صندوق النقد الدولي، وكانت المطالب الثلاثة، التي تشبه الماركة المسجلة، وهي: الخصخصة، ووقف تدخل الحكومة، وعمليات الخفض الحاد للإنفاق الاجتماعي، تميل إلى أن تكون ضد مصلحة المواطنين بصورة متطرفة، ولكن عندما كان يتم توقيع الاتفاقيات، كانت تبقى على الأقل ذريعة الرضى والموافقة المتبادلة بين الحكومات التي تجري التفاوض، إلى جانب الإجماع بين من يفترض أنهم خبراء، أما الآن فإن البرنامج الأيديولوجي ذاته، يتم فرضه بأشد الوسائل القسرية الممكنة وقاحة، أي: عن طريق الاحتلال العسكري الأجنبي بعد القيام بالغزو، أو بعد حدوث كارثة طبيعية مدمرة، على الفور، ويبدو أن 11 ايلول قد وفر لواشنطن الضوء الأخضر لكي تكف عن سؤال الدول عما إذا كانت تريد النسخة الأمريكية من «التجارة الحرة والديمقراطية»، ومحاولة فرضها بقوة الصدمة والرعب العسكرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
836