العيد الذهبي لـ «مؤسسة السينما».. لمحة عن الأفلام المنتجة
سنحاول في هذه السطور إعطاء لمحة عن أهم الأفلام السينمائية الطويلة التي أنتجتها المؤسسة، فخلال سنوات نشاطها أنتجت المؤسسة عدداً من الأفلام القصيرة حاولت من خلالها تغطية الحالة الثقافية والاقتصادية والعمرانية في سورية، إلا أن إنتاجها من الأفلام الروائية الطويلة بدأ في عام 1967، وكانت البداية بإنتاج فيلم (سائق الشاحنة) الذي كتب قصته المحامي والكاتب المعروف نجاة قصاب حسن وأخرجه المخرج اليوغسلافي «بوشكو فوتشينيتش» وصوره مدير التصوير جورج لطفي الخوري وكان أول فيلم روائي طويل له. وقد مثل فيه عدد من الممثلين السوريين منهم: خالد تاجا وهالة شوكت وعبد اللطيف فتحي وثناء دبسي وغيرهم.
وقد أثير جدل طويل في ذلك الوقت بشأن تولي مخرج أجنبي إخراج أول فيلم روائي سوري من إنتاج القطاع العام، ولكن كان لابد من أن نبدأ بذلك حتى يتمكن المخرجون السوريون من إخراج أفلام روائية طويلة تحتاج لمراكمة خبرة ووقت طويلين.
ولكن بقيت لهذا الفيلم أهميته الخاصة التي تتجلى بأنه أول فيلم روائي طويل ينتجه القطاع العام على الرغم من أن مخرجه أجنبي. إلى أن أنتجت المؤسسة ثلاثية (رجال تحت الشمس) وكان ذلك في عام 1970، وهي من إخراج محمد شاهين ومروان مؤذن ونبيل المالح.
وعدّت المرحلة الممتدة ما بين عامي 1963 ـ 1975 مرحلة التأسيس الفني والفكري والتقني. تقنياً لأنه في هذه المرحلة استكملت المؤسسة العامة للسينما الأدوات والتقنيات الضرورية كي تعتمد على نفسها، وقد تمت هذه العملية تحديدا عام 1970، باستثناء وحدة التحميض والطباعة الملونة التي استكملت وبدأت عملها عام 1975 وكان فيلم (الاتجاه المعاكس) من إخراج مروان حداد أول أفلامها.
أما فكرياً وفنياً فتحددت في هذه المرحلة نوعية المواضيع التي ستعالجها السينما السورية: فكانت أهمها القضية الفلسطينية وانعكاسات الصراع العربي الإسرائيلي على النواحي الحياتية والروحية للمواطن السوري..
كذلك تجلت هذه المرحلة بانفتاح السينما السورية على خيرة ممثلي السينما العربية الجادة وتعاونها معهم، وأبرزهم المخرج المصري توفيق صالح، والمخرج العراقي قيس الزبيدي، والمخرج اللبناني برهان علوية.
وعموماً كان التوجه القومي نحو القضايا العربية الشاملة، كقضية فلسطين وقضية الوحدة العربية. فقد وضعت نصب عينيها، ومنذ تأسيسها، هدفاً محدداً، ألا وهو القيام بمهمة تثقيفية شاملة، والعمل على رفع مستوى التذوق السينمائي، ومن الأفلام المهمة التي أنتجتها المؤسسة في هذه المرحلة نذكر: (السكين) 1971 وقد أخرجه خالد حمادة عن قصة غسان كنفاني (ماتبقى لكم) ويعالج جانباً من القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر.
و(الفهد) من إخراج نبيل المالح عن قصة بالاسم نفسه لحيدر حيدر وقد نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق الدولي لسينما الشباب عام 1972. و(المخدوعون) من إخراج توفيق صالح عن قصة غسان كنفاني رجال في الشمس وقد حاز الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج الدولي الرابع وعدداً من الجوائز المهمة في مهرجانات سينمائية أخرى مختلفة..
وثلاثية (العار) عن ثلاث قصص لفـاتح المدرس أخرجها بشير صافية ووديع يوسف وبلال الصابوني.
و(اليازرلي) الذي أخرجه قيس الزبيدي عن قصة (على الأكياس) لحنا مينه، ويعرض لنا جملة من النماذج والعلاقات الإنسانية المختلفة.
وفيلم (الحياة اليومية في قرية سورية) الذي تعاون فيه الكاتب المسرحي سعد الله ونوس مع المخرج عمر أميرلاي وأخذ شكلاً أقرب ما يكون إلى الفيلم الوثائقي.
وفيلم (كفر قاسم) لبرهان علوية الذي اتخذ من مجزرة كفر قاسم التي ارتكبها الصهاينة بحق أهلنا الفلسطينيين عام 1956 مدخلاً للحديث عن القضية الفلسطينية برمتها. وقد نال الفيلم ذهبية قرطاج إضافة إلى جائزتين أخريين.
ثم أخيراً فيلم (الاتجاه المعاكس) لمروان حداد الذي يرصد المعاناة اليومية لمجموعة من الشباب، من انتماءات اجتماعية وطبقية مختلفة في فترة ما بعد نكسة حزيران، وانعكاس تلك المرحلة على مختلف همومهم السياسية والاجتماعية، من الأفلام المهمة في مرحلة السبعينيات نذكر أيضاً فيلم (حبيبتي يا حب التوت) لمروان حداد عن رواية للكاتب أحمد داود، وأفلام أخرى.
أما في بداية الثمانينيات فبدأ يفد دم جديد إلى السينما السورية وهم الشباب خريجو المعاهد السينمائية في الاتحاد السوفييتي وبعض البلدان الاشتراكية الاخرى، الذين عملوا على تطوير الإنجازات التي بدأها من سبقوهم، وعملوا في إنتاج الأفلام التسجيلية القصيرة للبدء بإنجاز الأفلام الروائية الطويلة، وقد شاهدنا أن لكل منهم بصمته الخاصة وأسلوبه المتميز. فمن كوميديا سمير ذكرى السوداء، إلى منمنمات محمد ملص، وهجاء أسامة محمد المرير، إلى كوميديات عبد اللطيف عبد الحميد الحزينة، إلى الواقعية الصارمة لريمون بطرس، والغنائية المأسوية الرمزية لماهر كدو، إلى هموم الجولان المحتل لدى غسان شميط، والتأمل البصري العميق في الصورة لرياض شيا، وإلى طرح القضايا النسائية لدى واحة الراهب، ومشكلات الشباب المعاصر وإخفاقاته لدى نضال الدبس، تنوعت الأساليب وتعددت مضفية على السينما السورية نكهة خاصة غنية بكل لون جديد.
وقد نال العديد من هذه الأفلام جوائز أولى من عدة مهرجانات عربية وعالمية.
ومن أهم وأبرز الأفلام في تلك المرحلة التي صنعت وأنتجت من المؤسسة العامة للسينما:
(حادثة النصف متر) 1980، (وقائع العام المقبل) 1985، (تراب الغرباء) 1998، (علاقات عامة) 2005 للمخرج سمير ذكرى: يعرض لنا الفيلم الأول رحلة في عالم موظف صغير ذي منبت شعبي محافظ، تحتل المرأة كأنثى محور تفكيره، يكشف من خلالها ويفضح نموذج هذه الشريحة بكل تناقضاتها ودوافعها وتطلعاتها إلى الصعود وتجاوز مرارة العيش والحرمان مهما كان الثمن.
أما (وقائع العام المقبل) فيروي المشكلات التي واجهت موسيقياً شاباً لدى محاولته تشكيل أوركسترا كلاسيكية، لكنه لم يتمكن من تحقيق حلمه نتيجة العوائق الاجتماعية والإدارية، وأما الفيلم الثالث(تراب الغرباء) فيعرض لنا مشاهد من حياة المفكر العربي السوري التنويري عبد الرحمن الكواكبي.
بعد هذا الفيلم يعود سمير ذكرى إلى جنسه الفني المفضل: الكوميديا السوداء، في فيلمه الرابع (علاقات عامة) حيث يستعرض النتائج الدرامية التي يمكن أن تنتج عن لقاء الثروة والنفوذ مع الفقر والانتهازية، وتقاطعهما عند كائن هش يبحث عن الدفء والحب والأمان.
(أحلام المدينة) 1984 و(الليل) 1992 لمحمد ملص: يعرض لنا الفيلم الأول دمشق الخمسينيات، والتحولات السياسية التي تطرأ عليها، وما يدور في حواريها من قصص حب وعنف وأحلام تتهاوى، من خلال عيني طفل، أما الفيلم الثاني فيتحدث عن ابن يحاول تجميع قصة أبيه الذي مر يوماً بالمدينة الحدودية القنيطرة ذاهباً إلى فلسطين مجاهداً ثم عاد إليها وتزوج ثم مات قهراً.
(نجوم النهار) 1988 و(صندوق الدنيا) 2002 لأسامة محمد: يتحدث الفيلم الأول بنبرة ذات طابع تهكمي سوداوي عن التمزق الذي يصيب أسرة تنتمي إلى شريحة اجتماعية متوسطة في كل شيء: في الوضع المادي والثقافي والعاطفي والأخلاقي.
(ليالي ابن آوى) 1989، (رسـائل شفهية) 1991، (صعود المطر) 1995، (نسيم الروح) 1998، (قمران وزيتونة) (ما يطلبه المستمعون) 2003، (خارج التغطية) 2006، (أيام الضجر) 2008 لعبد اللطيف عبد الحميد وهو المخرج الذي أخرج العدد الأكبر من الأفلام من أبناء جيله. كل من الأفلام الأول والثاني والخامس والسادس والثامن كوميديا ناعمة تحدثت عن سكان الريف ومفارقات حياتهم الصادقة والمفعمة بالنبل، أما الفيلم الثالث فهو كوميديا مدينية تحكي قصة كاتب يعيش حالة تنقل مستمرة ومضنية ما بين واقعه من جهة وأحلامه وكوابيسه من جهة أخرى. أما الفيلم السابع (خارج التغطية) فهو تراجيكوميديا تتحدث عن الحب والحرية.
(الطحالب) 1991، (الترحال) 1997، (حسيبة) 2007 لريمون بطرس: يشكل الفيلمان الأولان لوحة بانورامية للحياة في مدينة حماة، وتدور قصة الفيلم حول عائلة تتصارع فيما بينها حول قطعة أرض موروثة. أما الفيلم الثاني فيعرض لنا جانبا من تاريخ هذه المدينة، خلال مرحلة انقلاب حسني الزعيم ونكبة فلسطين.
الفيلم الثالث يختلف عند ريمون بطرس، فهو مأخوذ عن رواية أدبية (لخيري الذهبي)، وليس عن قصة للمخرج، وثانياً لأنه يتحدث عن دمشق وليس عن حماة ويحكي لنا الفيلم قصة حسيبة المرأة التي قاومت المستعمر الفرنسي مع أبيها ورفاقه.
(شيء ما يحترق) 1993، (الطحين الأسود) 2001، و(الهوية) 2006 الشراع والعاصفة (2011) للمخرج غسان شميط:الذي يختلف عن أبناء جيله باستعانته بكاتب للسيناريو من أجل صياغة نص مشروعه السينمائي. يتحدث الفيلم الأول عن عائلة أرغمت على النزوح في حرب 1967 وما زالت تلك العائلة تحن وتتمنى العودة، رافضة التأقلم مع الوضع الجديد..
(صهيل الجهات) 1993 و(دمشق يا بسمة الحزن) 2008 لماهر كدو بوابة الجنة (2008) يتناول فيلم (دمشق يابسمة الحزن) عن رواية إلفة الإدلبي، صبرية ومصيرها المأساوي الذي رسمته أعقاب بنادق المحتل الفرنسي من جهة والتقاليد الجائرة من جهة أخرى.أما فيلم بوابة الجنة فهو يتصدى مجددا للقضية الفلسطينية بكل أطيافها السياسية والاجتماعية والشخصية.
(اللجاة) 1995 لرياض شيا: اللجاة هي الأرض القاحلة في جنوب سورية،نرى من خلالها شخصيات انسانية تتوق للحب والحرية.
(رؤى حالمة) 2003 هوى (2011) لواحة الراهب: رؤى حالمة هو الفيلم الأول للمخرجة الوحيدة في المؤسسة العامة للسينما، وكان من الطبيعي أن تهتم بقضايا المرأة في مجتمعنا المعاصر، وكان ذلك عبر فتاة تعاني الاضطهاد الأسري وتغادر المنزل للبحث عن ذاتها..
(تحت السقف) 2005 لنضال الدبس: فيلم يرصد هموم الشابات والشبان وخططهم للمستقبل واكتشافهم بأن كل ما يحلمون به سراب.
(سبع دقائق إلى منتصف الليل) 2007 لوليد حريب:نرى في الفيلم مشاعر زوج حقيقية وهو جزء من أسرة متحابة تتعرض لمحنة أسرية تكون امتحاناً لهذا الحب..
بعد هذا الكم الجميل والغزير توقف العديد من المخرجين وتابع آخرون أمثال محمد شاهين وعبد اللطيف عبد الحميد الأغزر إنتاجاً. ولا ننسى نبيل المالح الذي عاد بعد انقطاع طويل بفيلم (كومبارس) وعالم البحث عن السعادة والحب.
المصدر: تشرين