المسألة الكردية 1917 – 2017

المسألة الكردية 1917 – 2017

يمتد الشريط الزمني للصراع الدولي على الشرق إلى 200 عام تقريباً وأكثر، منذ أن حدثت الثورات البرجوازية في أوروبا، خاصة الثورة الفرنسية 1789 م التي كانت إيذاناً بانتقال العالم من الإقطاعية إلى الرأسمالية، فكانت حملة نابليون بونابرت على مصر وسورية ونشوء «المسألة الشرقية» التي كان ظهورها نتيجة للصراع البريطاني – الفرنسي على تقسيم الشرق والسيطرة عليه، انضمت باقي الدول الكبرى إلى هذا الصراع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ودخل الرأسمال العالمي طور الإمبريالية.

وقع البلدان الكبيران في الشرق «تركيا العثمانية وإيران الشاهنشاهية» تحت السيطرة الرأسمالية «تغلغل الرأسمال الأجنبي» منذ منتصف القرن التاسع عشر، في هذا الصراع جرى الإعداد لتقسيم هذين البلدين المتخلفين وشبه الإقطاعيين على يد الدول الكبرى. الصراع الذي دفع ثمنه من دماء شعوب المنطقة، وخلف وراءه مآسٍ كبرى، في هذه الظروف نشأت المسألة الكردية وتعقيداتها في القرن التاسع عشر، وتعقدت أكثر في الحرب العالمية الأولى.
كتاب «الامبريالية والمسألة الكردية 1917-1923» لمؤلفه م.س.لازاريف يسلط الضوء على مواقف البلدان الإمبريالية وتقلباتها بخصوص المسألة الكردية وخاصة بريطانيا وفرنسا في وضع دولي امتاز بشدة الصراع على تقاسم مناطق النفوذ والنهب بين البلدان الإمبريالية.
الصراع أثناء
الحرب العالمية الأولى
يقول لازاريف: إن سياسة بريطانيا حول المسألة الكردية في نهاية الحرب العالمية الأولى كانت مبنية على أساس فرض زعامتها على منطقة الشرق الأوسط والانطلاق من هناك باتجاه آسيا الصغرى والقفقاس، تنفيذاً لموضوعة اللورد كيرزون المشهورة حول أن حدود الهند تقع على الفرات. وقامت بريطانيا بإدخال الإدارة الكولونيالية لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الروسية من الحرب بعد ثورة أكتوبر 1917.
بدأ الإنكليز ببث الفتن وإرسال القوات لاحتلال الشرق، وتأجيج نار العداء الديني والقومي بين الأرمن والكرد والآشوريين وغيرهم، ونشطت دوائر استخباراتها في الاتصال بزعامات تقليدية لترويج فكرة إنشاء حكم ذاتي لأكراد العراق وإيران تحت الوصاية البريطانية 1918، واحتلت القوات الفرنسية مناطق جنوب تركيا وشمال سورية بما فيها لواء الموصل بموجب اتفاقية سايكس بيكو 1916.
اتبعت بريطانيا سياسة مزدوجة متناقضة تجاه الكرد فأرسلت قوات كبيرة لقمع «تمردهم» من كرمنشاه الإيرانية مروراً بالسليمانية حتى جبل سنجار في العراق 1918 – 1919 مع نشر دعاية: أن بريطانيا تحمل رسالة «تحررية» لكردستان! وبعد فشلها في تحقيق رأسمال سياسي في القفقاس، لجأت إلى تثبيت مواقعها جنوب القفقاس.
مؤتمر الصلح في باريس
انعقد مؤتمر الصلح في باريس 1919 وناقشت دول الحلفاء الكبرى «بريطانيا وفرنسا» تقسيم الشرق و«المسألة التركية» لتحديد وضع تراقيا الشرقية والقسطنطينية وأرمينيا والمضائق البحرية والمناطق العربية.
في هذا المؤتمر جرى الاستخفاف بالمسألة الكردية، ولم يرد ذكرها، وكان يتم ذكر الكرد بصورة عابرة لأول مرة، ولم تكن عبارة كردستان موجودة بداية المؤتمر، بينما جرى التركيز على المسألة الأرمنية من قبل الإنكليز والفرنسيين. وكان موقفهم مبهماً ولم يعطَ أي موقف نهائي، وفي الجولة الأخيرة من مؤتمر الصلح جرى حذف الكلمات التالية من مشروع نظام الانتداب: سورية، أرمينيا، فلسطين، جزيرة العرب، كردستان باقتراح إيطالي. وقال البريطانيون: إن ذكر كردستان وأرمينيا صعب للغاية وسابق لأوانه!
أما عن موقف الولايات المتحدة فقد كانت تبحث عن موطئ قدم لها في الشرق على حساب الإنكليز والفرنسيين فأعلن الرئيسي الأمريكي ودورو ويلسون موضوع تقرير المصير لتقسيم تركيا العثمانية حسب المصالح الأمريكية.
تناقض المواقف الغربية
يتضح من مذكرة الأركان العامة البريطانية عام 1919 لأجل تنفيذ مهمات عسكرية في منطقة البحر الأسود والقفقاس ضد السوفييت يجب: 1- تشكيل أرمينيا الكبرى مكونة من جمهورية يريفان وكيليكيا 2- تشكيل كردستان المستقلة.
وفي عام 1920 برزت المسألة الكردية في المفاوضات الأنكلو-فرنسية، أما مؤتمر لندن الذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، فتقرر استقلال أرمينيا وسورية وفلسطين عن تركيا، وجرى إغفال المسألة الكردية. بينما اعترف مؤتمر سان ريمو 1920 بتشكيل كردستان مستقلة. ثم تراجع الحلفاء عن ذلك.
بعد انهيار استراتيجيات الحلفاء في القفقاس، نصت معاهدة سيفر 1920 على تشكيل أرمينيا وكردستان مستقلة، وبدأت بريطانيا تجرد الحملات العسكرية ضد الثورات الكردية في العراق 1922 – 1923، وجاءت المعاهدات والاتفاقيات الأخرى مثل: فرانكلن بويون 1921 ولوزان 1923 سقوطاً لمعاهدة سيفر!
المسألة الكردية اليوم 2017
كانت المسألة الكردية قبل قرن موضوع تناقض المواقف الغربية تجاهها في ظل ظرف دولي يتسم بالصراع على تقاسم مناطق النفوذ بين بلدان إمبريالية مأزومة خلال خمس سنوات فقط 1917 – 1923، ولم يكن هذا الشكل من التعاطي مع المسألة مجرد رغبات ونوايا سيئة تجاه الكرد، بل نتاجاً طبيعياً للنظرة الغربية تجاه شعوب المنطقة وقضاياها، في ضوء مصالحها هي لا مصالح هذه الشعوب، أي: أن جعل الكرد والأرمن والسريان كبش فداء تاريخي على مذبح سايكس بيكو، ومقدماتها، وتداعياتها، هي مسألة موضوعية وإحدى أدوات تمرير المصالح الدولية، فوجود كبش فداء شرط ملازم لأي تقسيم استعماري عبر التاريخ، لأن الموقف يحتم إرضاء البعض، و وابتزاز البعض الآخر، وتهميش ثالث.
وإذا توقفنا عند أوجه التشابه، فيما يخص المسألة الكردية، في القرن الماضي واليوم، نجد ما يلي:
وجود أزمة لدى القوى الدولية تمنع إدارة العالم بالطريقة السابقة، مما يعني البحث عن طرائق ووسائل جديدة، مما يحدث اضطراباً عالمياً.
حل أزمة المراكز، يستوجب توتير كلّه العالم، والتوتير يستوجب دفع كل القوى إلى المواجهة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
813