حكاياتٌ تنتظرُ النّهايات.!؟

حكاياتٌ تنتظرُ النّهايات.!؟

ثلاثُ ساعاتٍ من الزمن، اختصرت خمس سنواتٍ ونيّفٍ من عُمُر أزمة السوريين، وعقودٍ من الوجع المزمن..!

ثلاثُ ساعاتٍ اختصرت الجغرافية السورية، والشتات والترحال السوري شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وصعوداً إلى السماء، دفناً تحت التراب، والوقوف على الأنقاض، والغرق في البحر، جمعت في حيّزٍ ضيّقٍ لا يعدو عن بِضعة أمتارٍ مربعة، أشلاء أرواحٍ وأشلاء أجسادٍ، أنهكها الموت والخوف والجوع والمرض، وغلّفتها ذِلّة الوقوف..!
ثلاث ساعاتٍ جمعت أطياف المجتمع السوري كلها، بموزاييك متنوع، وكشفت عُمق الآلام والآمال، ومدى الترابط المترسخ منذ آلاف السنين.!
ثلاثُ ساعات حفِلت بحكاياتِ شهرزاد السورية، والسندباد السوري، عن آلافِ الليالي التي تروي حكايات التراجيديا (المأساة) والكوميديا(المهزلة) بنهاياتٍ مفتوحة على المدى.. تنتظر النهاية السعيدة بالخلاص وانطلاق الفراشة من شرنقتها لتعانق الشمس، وتنتقل من حقلٍ إلى حقل، ومن زهرةٍ إلى زهرةٍ في ربيعٍ حقيقي يبعثُ الخِصْبَ والدفْء من جديد.!
بدأ انتظام العِقد منذ الساعة السابعة والنصف صباحاً، أمام مدخل إحدى الجمعيات، التي توزع المساعدات الإغاثية، نساءٌ وأطفال ورجال، وشيوخ يستندون على أوجاعهم، وترهقهم لحظات الانتظار، التي امتدت لساعاتٍ ثلاث، ..ودون أن يشعروا انفرط العقد تدريجياً، وتحول إلى حلقاتٍ صغيرة تتبادل الحكايات وتطرح التساؤلات: كيف حدث هذا.. ولماذا..؟ وتنوعت الإجابات وتعددت، ولكن السؤال الأهمَّ الذي بقيت إجابته مفتوحةً: متى..؟ متى يحينُ الخلاص، وتنتهي هذه المعاناة ونعود إلى ديارنا ونستظلُّ بها ولو كانت رُكاماً.!؟
حكايا الموت والحصار.!
تداعت حكايات الموت بأشكاله المتعددة، امرأةٌ فقدت زوجها بقذيفةٍ طائشة، وأبٌ راح ابنه ضحية التضليل الديني، وأمّ استشهد ابنها العسكري، ولم ير ابنه الذي وُلد، وأخٌ قطع رأسه التكفيريون لأنه كان طالباً في كلية الحقوق، وأخت اعتقل شقيقها منذ سنواتٍ لأنه كان قد تظاهر، ولم تعلم بخبر موته إلاّ بعد أن سلموها هويته، وتوالت الحكايات الأخرى عن الموت، والتي ليس لها نهايات كالغرق في البحر، والاختطاف والضياع، ثم انتقلت الحكايات إلى حرمان الأطفال من التعليم، وإلى دمار البيوت، وضياع شقاء العمر في لحظات، ثمّ حكايا التشرد والتهجير والهجرة، وزواج القاصرات وترملهنّ،  وتيتم الأطفال، وحكايا الحصار والجوع والمرض بين الشكوى والأنين، والدموع التي تنهمر، والتي تساوى فيها الرجال والنساء الذين جمعتهم ووحدتهم مصيبة الموت، والدمار والحصار، ترافقها أسئلة لماذا حدث هذا .؟ وكيف يمكن أن نستمر في الحياة والعيش، في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار.؟ ومن كان السبب..؟ أسئلة تبحث عن إجابات تشفي الغليل..!
الحكايا  والشّطار.!
كما الحكواتي يتوقف البعض هنيهات، ليلتقطوا أنفاسهم، ويتابعون الانتقال إلى موضوعٍ آخر، ويبدؤون بسرد حكايا النصب والنهب والاحتيال والفساد، والتعفيش، وغنائم الحرب، والركض المتواصل في البحث عن لقمة الخبز، والاستغلال وانحدار الأخلاق والقيم، والتعب، والإنهاك والذّلة في الحصول على اسطوانة غاز، والظلمة والعتمة نتيجة انقطاع الكهرباء، والعطش والبحث عن الماء.. والوقوف على الحواجز والخوف المحيط بهم، وانقطاع الأخبار عن الأهل والأقارب في مناطق سيطرة المسلحين وفي المخيمات، وتجار الأزمة وتجار الدم، والوشايات لأتفه الأسباب وكيف يمكن الحصول على المساعدة، والحصول على سند إقامة وعقد آجار والنهب في الجمعية نفسها.. و.. و..
حديثُ إبليس.!؟
ما يشد الانتباه، هو التضامن الذي ساد بين هؤلاء خلال ثلاث ساعاتٍ، دون تمييز بين دين وقومية، ومنطقة ومنطقة، رغم المآسي والمعاناة القاسية، وختام الحكايات غير المنتهية بالدعاء: الله لا يسامح من كان السبب.! أو حسبنا الله ونعم الوكيل.! أو يلعن من زرع الفتنة..! والبعض لعن إبليس والشياطين الذين تغلغلوا في العقول، لكن البعض «دافع» عن إبليس واعتبر أن أبالسة الإنس فاقوا الشياطين بممارساتهم، والأهمُّ، أنّ الكل أجمعوا: أنّهم يبحثون عن الخلاص، وينتظرونه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
795
آخر تعديل على السبت, 28 كانون2/يناير 2017 21:24