◄ زكريا محمد ◄ زكريا محمد

الكنعانيون الكلاب

وصفت آية في إنجيل متى الكنعانيين بأنهم كلاب: (ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة. فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعنّي. فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) (متى 15: 12-26).

من الخطأ فهم كلام المسيح باعتباره كلاما عنصريا ضد الكنعانيين. إذ يجب أن يفهم بمعنى ميثولوجي تماما. فكنعان في الآية نقيض ديني لبني إسرائيل لا غير. أي أن كنعان مصطلح ديني لا إثني. ووصف الكنعانيين بالكلاب هو أيضا مسألة دينية. ذلك أن نقيض إسرائيل الجنوبي مرتبط بنجم الشعرى، أي (كلب الجوزاء) كما يسمى عند العرب، و(نجم الكلب) كما يسمى عند اليونان. عليه، فالمسيح يقول للمرأة: أنا جئت نبيا لبني إسرائيل الشماليين، لا لنقيضهم الجنوبيين. جئت للخراف الضالة الشمالية كي أجمعها لا للكلاب الجنوبيين وأبنائهم. فإسرائيل غنم، كما جاء في سفر إرميا في العهد القديم: (إسرائيل غنم متبددة) (إرميا 50: 17). فالإله الشمالي مرتبط بالخراف والأغنام لا بالكلاب. الإله الجنوبي هو المرتبط بالكلاب.

أكثر من ذلك، ربما علينا أن نفهم تعبير (أولاد الأفاعي) في الإصحاح الثالث من إنجيل متى انطلاقا من هذا أيضا: (فلما رأى [المسيح] كثيرين من الفريسين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبا. لأني أقول لكم إن الله قادر على أن يقيم من هذه الأحجار أولادا لإبراهيم) (متى 3: 7-10).

أولاد الأفاعي هنا ليست شتيمة بل وصف ميثولوجي. دليل ذلك أن سفر لوقا لم يصف الفريسين والصدوقيين بأولاد الأفاعي، بل وصف جمهور المؤمنين بالمسيح: (وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا أولاد الأفاعي من أراكم اأن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. ولا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا إبراهيم أبا. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم).

جمهور المؤمنية هم أولاد الأفاعي. ذلك أن الإله الذي يتم الحديث عنه هنا، أي إله إبراهيم، إله مرتبط بالحية. بل هو حيه بالفعل. فالآلهة الشماليون يتبدون كحيات دوما. يؤيد هذا الجملة في يوحنا: (وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان) (يوحنا 3: 14). ابن الإنسان، الذي هو المسيح، سيُرفع هنا كما ترفع الحية. والرفع هنا يعني الموت والانتقال إلى السماء.

بالتالي، فأولاد الأفاعي هم أولاد إبراهيم. وهذا يعني أن أولاد إبراهيم هم رمزيا ثعابين وحيات، لأن إله إبراهيم مرتبط بالأفاعي والحيات.

فوق هذا، ربما علينا أن لا نفهم الحديث عن الخبز بالمعنى المجازي تماما (ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب). ذلك أن الإلهة التي ترتبط بالحيات ترتبط بالخبز أيضا. إنها آلهة خبزية، أو من خبز. لذا قال المسيح أيضا: (أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء) (يوحنا 6: 51). وقال أيضا: (فمن يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز النازل من السماء) (يوحنا 16: 57-58). الخبز ليس للجراء، أي للآلهة الجنوبيين، بل للإلهة الشماليين مثل (مطعم الطير) العربي، الذي تأكل الطير من رأس ابنه. ذلك أن الخمر هو ما يخص الجنوبيين وجراهم. عليه، فلم يكن المسيح يمتنع عن مباركة المرأة الكنعانية لأنه بغرق بين بشري وبشري، بل كان يضع حدا بين الشمال والجنوب. فالخبز، رمزيا، ليس للكنعانيين، بل لبني إسرائيل. وهذا الخبز لا ينفع أصلا لكنعان المرتبط بالكلب، فهو مخصص لإسرائيل المرتبط بالاغنام.

بنو إسرائيل هم شمال السماء، وبنو يهودا هم جنوبها. وقد بذلت محاولات شديدة من بعض الباحثين العرب لفصل عيسى المسيح عن اليهودية، وإثبات أنه لم يكون يهودي الديانة، وذلك انطلاقا من الفرض الخاطئ والمشوش الذي يعتبر أن إسرائيل هم اليهود ذاتهم. فبنو إسرائيل في الأصل غير اليهود، أي غير بني يهودا. بل هم نقيضهم الديني. فبنو إسرائيل مرتبطون بشمال السماء، وديانة عيسى القتيل المصلوب هي ديانتهم، أما اليهود، أو بني يهودا، فمرتبطون، إجمالا، بجنوب السماء. أي أننا أمام نقيضين. والصراع بينهما ليس في الأصل صراعا واقعيا، بل صراع ميثولوجي ليس فيه أشرار وأخيار.

 

وما لم يتم فهم الفارق بين بني إسرائيل واليهود، بين إسرائيل ويهودا، سنظل غير قادرين على فهم أديان المنطقة كلها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
544