مهند عمر مهند عمر

الثقافة العربية في زمن الثورات

يكاد أي متابع للعمل الثقافي العربي يجزم بأن ما يطبع من كتب وإصدارات في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه قليل جداً بالنسبة لتعداد سكان هذه المنطقة، وأن القراءة في العالم العربي ضعيفة إلى الحد الذي تكاد تنحصر فيه بالأوساط الثقافية والنخبوية، ما نتج عنه «ثقافة عناوين» أو ما يسمى ثقافة المشافهة القائمة على تداول أفكار ومصطلحات ورؤى أكثرها مصدر إلى المجتمع العربي، دون دراية أو تمحيص في هذه المشاريع النهضوية الغربية، ودون التمييز بين ما يلائم البيئة الاجتماعية للمواطن العربي وما لا ينسجم وطريقة تفكيره وحياته، ما أدى في كثير من الأحيان إلى حالة من الاستلاب الثقافي قائمة على أفكار مستوردة أو معادة التدوير

لقد كانت أكثر تداعيات حالة الاستلاب الثقافي خطورة هي ظاهرة الجمود الأدبي والفكري والاجتماعي التي مررنا بها خلال العقد الأول من هذا القرن، ففي هذه العشرية لم نجد أطروحة حقيقية تثير الشهية للجدل أو تقدم زخماً معرفياً يعيد الحراك إلى الأوساط الثقافية العربية، كما حصل في تسعينيات القرن الماضي على سبيل المثال لا الحصر عندما طرح جورج طرابيشي مجلداته الثلاثة، التي حاور من خلالها الجابري حول العقل العربي.

ومع حلول العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين هبت رياح التغيير لتضرب معاقل الديكتاتورية في وطننا العربي، وهو ما أصاب المجتمع بتحولات مهمة وجذرية شملت مختلف الميادين: السياسية، الاقتصادية وكذا الثقافية، حيث برز مثقفون عرب بطريقة أو بأخرى ولعبوا دورا أساسياً في تحريك الثورات والتأثير على مسارها والدفع بها نحو تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها، لكن الأوساط الثقافية العربية ما زالت تعاني من غياب البنية التحتية الملائمة للنهوض بمشروع تنويري عربي عبر عمل ثقافي متسق بالحراك الشعبي المتصاعد على الأرض وهو ما سيثري الكم المعرفي بشكل حقيقي.

إن الثقافة شأنها شأن كل القطاعات الاجتماعية العربية، عانت طوال سنين من تشوهات عميقة كان للاستبداد وتنامي القوى الظلامية اليمينية الأثر الأكبر فيها، وبما أن الثقافة جزء من الحراك الإنساني والفكري والحضاري للمجتمع، فإن المتابعين للحالة الثقافية العربية يؤكدون أنه ورغم مرور المجتمع العربي بفترة انفعال لا تخضع للتقييم المنطقي لمسيرة المشروع التنويري العربي إلا أن الثورات العربية سيكون لها تأثير إيجابي على الثقافة العربية وعلى سلوكيات المجتمع عبر نتاج كتابي ومسموع ومرئي يمثل رافعة لمشروع تنويري بدأنا نتلمس آثاره المباشرة على مجتمعاتنا بما يؤسس لجيل أكثر مسؤولية وأكثر معرفة بقضاياه.

وعليه فإنه لا يستطيع أحد إنكار أن ما حدث في الواقع العربي مع دخول العشرية الثانية من القرن جاء نتاج تكوين ثقافي مختلف عن كل ما سبق، حيث تجاوز الفعل الفكرة، وتخطى الشارع التنظير، وهو ما دفع مثقفي الثورات العربية إلى تحرك جاد نحو ثقافة جديدة غارقة بالكامل في حراك الواقع  العربي، وتظهر فيها الرغبة في النهوض بالمجتمع عبر إعادة إطلاق المشروع التنويري وفق شروط تحاول تخطي كل سلبيات ثقافة المرحلة الماضية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542