صيدلية كتب: «ذاكرة النار» التاريخ يتنفس

«كنت طالب تاريخ بائس، كان حضور دورس التاريخ يشبه الذهاب إلى معرض التماثيل الشمعية أو إلى أقليم الموتى. كان الماضي ميتاً، أجوف وأخرس، علمونا عن الماضي بطريقة جعلتنا نستكين للحاضر بضمائر جافة: لا لصنع التاريخ الذي صنع سابقاً لكي نقبله. توقف التاريخ المسكين عن التنفس، تمت خيانته في النصوص الأكاديمية، كذب عليه في المدارس، أغرق بالتواريخ، سجنوه في المتاحف ودفنوه تحت أكاليل الزهر ووراء تماثيل برونزية ورخام تذكاري».

بهذه الروح الثائرة على التاريخ عموماً، والتاريخ الأمريكي اللاتيني خصوصاً، يقدم إدواردو غاليانو لكتابه العملاق «ذاكرة النار»، الكتاب الذي نظرت إليه «الواشنطن بوست» كـ «عمل إبداعي وملحمي».
غاليانو، الأورغواني، كان قد أصل أسلوبه الحر قبل «ذاكرة النار» وبعدها، حيث إنه يصف عمله فبالمقدمة آنفة الذكر وصفاً يصلح على كل ما كتب «عصي على التصنيف»، لا يعترف بمقاييس «ضباط جمارك الأدب»، وهكذا يتجول بين السرد والمقال والقصيدة والشهادة... هذا فعله في «العروق المفتوحة لأمريكا اللاتينية» و«أفواه الزمن» و«كلمات متجولة» و«مرايا» لكنه ثلاثيته هذه التي يقسّمها إلى:

«سفر التكوين» حيث يسبح في تاريخ السكان الأصليين الحار والدافئ والعميق.
«الأقنعة والريح» يعانق القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
«قرن الريح» يصل غاليانو إلى ثمانينيات القرن العشرين.
لكن الأجزاء الثلاثة مبنية على توثيق دقيق، ونبش شاق في الذاكرة ومدونات الزمن، مع حرية بلا حدود في الحركة وغرسال الرسائل والوقوف إلى جوار المضطهدين والمغزوين والفقراء.
دعنا، عزيزي القارئ، ننتبه إلى ميزة شعرية خطيرة في كتابة غاليانو، تتجلى في جملته المحكمة والادمة، ولعل اقتباس بعض الجمل يغني كثيراً عن التعليق المتفاصح:
لم يخلق الخالق الهنود بل غنّاهم ورقصهم.
كان الموتى يحتوون رصاصاً أكثر من العظام.
إنها الآن ألم يعيش كشخص.
الحرية تسافر في سيجار.
الشمس هي المصباح الوحيد الجدير بالثقة.
حزم بنطلونه بأفعى حيةٍ، لاحظ ذلك لأنه ليس لها إبزيم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:28