سليمان الحلبي.. ذلك الاستشهادي الذي كاد أن يطويه النسيان..

ظلت معلومة مرت في كتاب التاريخ بشكل عابر في إحدى سني الدراسة عالقة في وجداني طوال سنين ولم تفارقني أبداً، هذه المعلومة وردت في ركن لاتتجاوز مساحته السطرين، روت على شكل (قصة قصيرة جداً)، قبل ابتداع هذا المصطلح بعقدين على الأقل، قصة شاب سوري يدعى سليمان الحلبي انقض على الجنرال الفرنسي كليبر إبان الحملة الفرنسية على مصر في أواخر القرن الثامن عشر، وطعنه عدة طعنات سقط على إثرها صريعاً، ولم ينس واضعو الكتاب أن يؤكدوا بصورة مختصرة أن مصير هذا الشاب فيما بعد كان الإعدام..

في الفترة ذاتها، أذكر أن مسلسلاً تلفزيونياً مصرياً روى حكاية هذا الشاب بطريقة خالية من الجاذبية، وهذا ليس هجوماً على الدراما المصرية، بقدر ما هو ذكرى انطباع طفولي استخلصه فتى لم يتجاوز الثالثة عشرة..
بعد ذلك، وعلى كثرة الأحداث والحروب، وربما الخيبات، وتوالي سقوط الشهداء من الأصدقاء والمعارف والأقارب وأبناء الوطن عموماً، لم تعد صورة سليمان الحلبي في الذاكرة بحجمها الأول، بل أخذت تفسح المجال لأبطال وشهداء جدد، رغم أنها لم تقبل الرحيل إلى مكان قصي في اللوحة الواسعة، وظل هذا الاسم الغامض إلى حد كبير لدي ينخزني في وجداني خصوصاً حين تحضر بطريقة أو بأخرى حكاية حملة نابليون على مصر، أو يجري الحديث عن الصداقة العربية – الفرنسية، أوعن (العلاقات التاريخية) بين العرب ومستعمريهم..
مؤخراً حضر إلى مكتب «قاسيون» رجل يقارب الخمسين، وجلس إلى رئيس التحرير د. قدري جميل بعض الوقت، قبل أن أدعى للمشاركة في هذه الجلسة التي أرجعتني، بكل معنى الكلمة إلى فترة هي الأغني في حياتي.. فترة نهمي الأول للمعرفة والتاريخ وتفتق وعيي الوطني والطبقي..
الرجل الوقور الذي بدا لي دمثاً بمجرد مصافحتي له وتعريفه لنفسه بكل تواضع: هاني الخيّر، حمل لي ما يفوق البشرى، إذ ما إن أخذنا بتناول أطراف الحديث حتى فاجأني بمشروعه العظيم الذي يعنى بالبحث عن كل ما يتعلق بالبطل الاستشهادي الكبير سليمان الحلبي!!
هاني الخير، الصحفي والباحث المعروف كان كل شيء في محياه يشع بالفرح، وهو يتحدث بحماس عن بطله – بطلي الذي سيعمل على إيقاظه ليس في وجدان وذاكرة السوريين أو العرب وحسب، وإنما في الذاكرة العالمية لأبطال التاريخ الإنساني من أجل الحرية، وذلك عبر حملة بدأها منذ سنوات من أجل استرداد جمجمة هذا البطل العظيم من أحد المتاحف الفرنسية التي تعرضها للجمهور منذ تاريخ مقتله على أنها جمجمة مجرم!!
هاني الخير قام بدأب وصبر بتوقيع عريضة كبيرة سترفع عند إتمامها إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية ممهورة بتوقيع أعداد كبيرة من المثقفين السوريين من أجل إعادة ما تبقى من جثمان سليمان الحلبي إلى الوطن الأم سورية..
هذه العريضة والرسالة المرافقة لها سيكون لنا في قاسيون وقفة أخرى معها في عدد قادم، أما الآن فسنكتفي بتقديم تعريف بسيط عن الشهيد البطل سليمان الحلبي للقراء الأعزاء، وكل الشكر للباحث هاني الخير على إحياء ذكرى هذا البطل ورفدنا بالمعلومات..
من هو سليمان الحلبي؟؟
سليمان بن محمد أمين الحلبي: ولد في عفرين سنة 1191هـ = 1777م ودخل الأزهر في القاهرة، فدرس فيه ثلاث سنوات وعاد إلى حلب، وحج مرتين، وزار القدس وغزة، واجتمع إلى بعض الوطنيين وعاهدهم على قتل كليبر (قائد جيش فرنسا وحاكم مصر آنذاك) وحمل معه توصيات من علماء غزة إلى علماء الأزهر ليساعدوه في مهمته.
وقضى في القاهرة 21 يوماً يترصد للجنرال كليبر حتى شاهده مرة يسير مع كبير المهندسين، فهاجمه وطعنه بخنجر عدة طعنات، فمات على الأثر وهرب سليمان، ولكن قبض عليه، وحكمت عليه محكمة عسكرية فرنسية بالموت صلباً على الخازوق بعد أن تحرق يده اليمنى، ويترك جثمانه طعمة للعقبان، وقد نفذ فيه هذا الحكم في (تل العقارب يوم 18 حزيران 1800م وشنق إلى جانبه ثلاثة من علماء الأزهر علموا بعزمه على ارتكاب الجريمة وستروا عليه. وهؤلاء العلماء هم المشايخ: عبد الله الغزي، محمد الغزي، أحمد الوالي، وقد نقل الفرنسيون الهيكل العظمي لسيلمان الحلبي إلى متحف حديقة الحيوان والنباتات في باريس واحتفظوا به، وبجمجمته في غرفة التشريح بمدرسة الطب في باريس، كما احتفظوا بالخنجر الذي قتل به كليبر في مدينة (كاركاسون carcasson).

معلومات إضافية

العدد رقم:
279