المخرج أنور القوادري: هناك من يخاف من قول الحقيقة وقراءة التاريخ
عد أن غادر دمشق صغيراً لدراسة السينما توجه أنور قوادري إلى أوربا بحثاً عن ضالته في دراسة السينما وفي رأسه تشتعل عشرات الأحلام والمشاريع، وحين بدأ القوادري في لندن أخذت أسهمه ترتفع واستطاع بمرور الزمن أن يحقق اسماً لافتاً ضمن مجموعة من الأسماء الهامة، وجعلها مقراً لإقامته، إلاّ أن الحنين يشده إلى مدينته ومسقط رأسه بين حين وآخر وهو يحلم بأن يعود ليقدم لأهله أعمالاً تسعى إلى العالمية، وبعد غياب طويل جاء قبل فترة فقدم سحر الشرق ولا زالت في جعبته الكثير من المشاريع والأحلام التي يريد أن يقدمها، وكان لنا معه هذا اللقاء:
يبدو أن أعمالك الأجنبية في الخارج، لم تحقق لك العالمية التي تسعى إليها ، فهل تريد أن تكون عالميتك من خلال أعمال عربية ضخمة كما فعل العقاد ويوسف شاهين؟
لم أترك أعمالي في الخارج، لا بل إنها قائمة إلى الآن، إلاّ أنني أقسم أوقاتي بين بريطانيا وسورية، فقد استطعت أن أكون اسماً في بريطانيا، وأصبح لي في الأوساط هناك موقع، فأنا عضو نقابة السينمائيين البريطانيين منذ العام 1988 وعضو مؤسس في نقابة المخرجين من العام 1984، إلاّ أن الحنين إلى الوطن يشدني دائماً، وأيضاً الحنين لأن أقدم عملاً عربياً كل فترة يدفعني للمشاركة بناء عمل عربي وليس فقط فيلماً، وقد كان فيلم جمال عبد الناصر الترجمة الوحيدة لهذا الحنين والطموح، وكانت تجاربي في هذا الاتجاه بدأت مع فيلم «سباق مع الزمن» وهو إنتاج مصري بريطاني، وكان قد ترك انطباعاً جيداً.
لم تقم بعد تجربتك السينمائية في فيلم «سباق مع الزمن» 1989 بتجربة عربية تسعى إلى العالمية إلاّ في فيلم «جمال عبد الناصر» فلماذا ؟
لأن العمل كي يقدم للأسواق العالمية يجب أن يكون جيداً جداً وهذا ما يوجب رصد تكاليف وإمكانيات عالية جداً، وعندما وجدت الجهة الممولة (مصرية/بريطانية) فخرج فيلم «سباق مع الزمن» ونجح الفيلم على معظم شاشات دول العالم التي عرض فيها، كما أن هناك مجموعة من الأفلام الأجنبية التي عملت فيها مازالت تعرض في الصالات والفضائيات العالمية، مثل فيلم «كسارة البندق» لجوان كولينز، وفيلم «كلوديا» وأعتقد أن هذه الأفلام استطاعت أن تحقق العالمية وأفسحت لي مكاناً مع أسماء هامة في هذا المجال.
ورغم ذلك مازلت تحلم بفيلم عربي وبهوية عربية وبإمضاء مخرج عربي يضعك في مصاف العالمية كأفلام «الرسالة» و«عمر المختار»؟
كي أكون صريحاً كان من المفترض بفيلم مثل فيلم «جمال عبد الناصر» أن يكون فيلماً عالمياً لكن الميزانية التي رصدت له لم تكن تغطي الميزانية التي يتطلبها الفيلم حقيقة وهي 40 مليون دولار، للأسف فإن فيلماً كهذا الفيلم كان يستحق ميزانية كتلك،ـ وكان يجب أن تكون هناك ميزانيات وشركات تدعم مثل هذه المشاريع، ولا ننسى أن وراء العقاد الذي أنتج الأفلام المذكورة كانت دولة وليس شركات إنتاج فقط، ولولا الدعم المالي الذي لقيه لما استطاع تقديم هذه الأعمال الهامة.
وأنا عندما بدأت بفيلمي عن جمال عبد الناصر كان عندي أمل أن تقف ورائي مؤسسات عربية كتلك، لكن للأسف العالم العربي لا يهتم ولا يساعدنا على تقديم أعمال عالمية عن تاريخنا وبطولاتنا، لا يوجد رأسمال وطني إن استطعنا القول يبحث عن مشروع ثقافي تجاري للأمد البعيد، بل الكثيرون، كما هو ملاحظ، يسعى إلى الأرباح الآنية والسريعة، وإلى الآن وبعد مرور ثلاثة وعشرين عاماً على عمر المختار لم يستطع العقاد أن يُخرج «صلاح الدين» لأنه لم يجد التمويل المناسب، بينما يقف يوسف اهين بعيداً عن كل تلك الصعوبات لأن له علاقته الخاصة مع فرنسا والتي تتبنى أعماله، ويبدو أنه يتوجب علينا أن نشكر الجهات الغربية التي تدعم تاريخنا وإرثنا أكثر ما تدعمه الحكومات العربية، وهي التي أتاحت ليوسف شاهين لاحقاً أن ينتج أعمالاً عالمية لأسماء هامة.
هل هذا يعني أن نقص الدعم وعدم مساهمة الحكومات والمؤسسات العربية في تمويله هو سبب الحد من نجاح الفيلم أم أن هناك أسباباً أخرى تقف وراءها تيارات أو أشخاص أرادوا إسقاط الفيلم؟
الحقيقة أن هناك العديد من العوامل التي تضافرت واجتمعت ضد هذا العمل وضدي أنا شخصياً.. وللأسف كان هناك مجموعة من الأشخاص محدودي الأفق، ولهم في نفس الوقت سيطرة على الإعلام في مصر بلدأوا يثيرون استفزازات من نوع كيف يمكن لسوري وافد حديثاً أن يقدم عملاً عن زعيم مصري، بالإضافة إلى الذين لا يزالون يحتفظون بصورة قديمة عن عبد الناصر أو من تيارات لا تريد إعادة قراءة التاريخ وتجميده، ولم تكن الشخصية بحد ذاتها هي السبب بل الفكرة مجردة.
ولكن أن يقف ضد الفيلم صحفي ومؤرخ مثل عبد العظيم رمضان، يدعي أنه ديمقراطي.. ويقف مع مجموعة لجنة الرقابة ضد عرض الفيلم مطالباً بمنعه بحجة أن الفيلم يمجد عبد الناصر، ويصطف إلى جانبهم وبنفس الخندق وبصورة غير مباشرة فرد من أفراد أسرة عبد الناصر هي د. هدى عبد الناصر التي طالبت بمنع الفيلم، لينضم إلى الجبهة زوجة المشير عبد الحكيم عامر والتي تتهم عبد الناصر في أنه وراء اغتيال زوجها، إلأّ أنني أريد أن أقول شيئاً مهماً أن فيلم عبد الناصر قد كتب بموافقة ورعاية د.هدى، كما كتب فيلم السادات برعاية جيهان السادات، وبالرغم من ذلك لم يكن أي الفيلمين فيلماً عائلياً أو أسرياً، بل كنت أحاول أن أقدم الحقيقة من زاوية واسعة، تاريخ لا ينتفي فيه الجانب الفني السينمائي، هذا الأمر الذي أدى الى أن يثير الفيلم جدلاً واسعاً واعتراضاًُ من أصدقاء عبد الناصر وأعدائه، وهذا يقول شيئاً واحداً أن الفيلم يتكلم بصوت الحقيقة، دون مراعاة للخواطر، ويظهر أخطاء وسلبيات اعترف فيها عبد الناصر بنفسه.
إذاً ما قصة تزوير الحقائق التي اتهمت بها في سردك في الفيلم، وما هي الوثائق التي تملكها دفاعاً عن هذه التهمة؟
اتهمت أني سلطت الضوء على بعض المناطق الحساسة في مسيرة عبد الناصر، واتهمت أنني دخلت بعض المناطق المحرمة، أو حسب تعبير البعض حقل ألغام وأنا أرى في حقل الألغام هذا الخط الدرامي للفيلم، لقد طلب مني أن أهمش أو أتجاوز المرحلة التي تتحدث عن علاقة جمال عبد الناصر بعبد الحكيم عامر، فرفضت، لأن هناك الكثير من الوثائق التي تثبت تورط المشير عامر بنكسة 67 ، وتحمل عبد الناصر المسؤولية نفسها، وهذه المراجع التي عدت إليها موثقة ومؤرخة ك«الانفجار» للأستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان ملازماً لجمال عبد الناصر، كما أن الكثير من الكتب الأجنبية والعربية التي رصدت تلك المرحلة كانت تشير بوضوح إلى الكثير من النقاط التي عرضتها داخل الفيلم، وبالنسبة لي فأنا أعتبر أن الفيلم بالضجة التي أثيرت حوله قد حقق الكثير.
ما الذي تسعى اليه كي تبقى على المستوى نفسه الذي ظهرت به في العالم العربي بعد «ناصر» و «سحر الشرق»؟
أنا أحب أن أقدم أعمالاً مدروسة لشخصيات واقعية معاصرة أو تاريخية، لأنه تحد يكمن في البحث العلمي الذي يتجاور مع الجانب التوثيقي ويمس الكثير من الجوانب، وحين أقدم عملاً ما يجب أن أكون واثقاً من أنه سيضيف شيئاً لمسيرتي الفنية ويغنيها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 181