أ. د. إسماعيل شعبان  أ. د. إسماعيل شعبان 

لماذ امتيازات بعض (الإنتلجنسيا)العربية ؟ ولماذا استغلالها (الأبارتيدي؟)

1. جميل القول الكريم: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (قرآن كريم).

وما أكل أحد طعاما خيراً من أن يأكل من عمل يده (حديث نبوي).

وكذلك القول: الحق أن يؤخذ من كل حسب قدرته ، ويعطى لكل حسب عمله (الاشتراكيون العلميون).

2. وربما لو طبقت الأقوال أعلاه، لما كان هنالك مجال للاستغلال والطبقية ، وتوريث الغنى والقصور والحبور للبعض ، والفقر والقهر وضيق الصدر والديون و الجحور للبعض الآخر.

3. ولكن في ظل سيادة المبدأ الاستغلالي: استغلال الإنسان للإنسان «أو للناس» ، وطبقة لطبقة «أو لطبقات»، ودولة لدول أولكل العالم.. الخ. تشكلت لدى البعض ثروات طائلة بدون تعب أو وجه حق في جمعها ، وهذا ما أدى إلى الأقوال الإنسانية الحكيمة المأثورة: (ماجمع مال من حلال قط) و (ما رأيت نعمة موفورة إلا والى جانبها حق ضائع «أو حقوقا ضائعة») و (ما متع غني إلا بما جاع به فقير «أو فقراء») و (إن ولوج الجمل من سم الخياط أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات الخ الخ) ونتيجة الخلل واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، كان الصراع الطبقي ضد المضطهدين عبر التاريخ والنضال الاشتراكي ضد المستغلين لاستعادة فضل القيمة المستغل من عرق الآخرين، الذي أدى إلى الثراء الفاحش لدى القلة على حساب الأكثرية بدون جهد أو مبرر لذلك.

4. والحالة ما تقدم، لا يسعد الثري المستغِل بالثروة لأنه لم يتعب بجمعها وكثيرا ماتسبب له أو لأهله السمنة والترهل والسكري والكوليسترول وربما الاحتشاء، بالإضافة إلى القلق والخوف الدائم من الذين استغلهم بشكل مباشر أو غير مباشر، كما يشقى أصحاب الثروة الحقيقيون ( الذين سرقت حقوقهم منهم) بحرمانهم منها وبالتالي معاناتهم من بؤس الحياة والفقر والحرمان وسوء التغذية والأمراض والموت المبكر الخ ولو أخذ كل حقه لما عانى الأول من السمنة المفرطة وعانى الثاني من السغب وسوء التغذية.

5. وإذا انطبق هذا الكلام على من في الدول الإمبريالية كأنظمة استعمارية ومستغلة وطبقية، تحكم فيها الطبقة الغنية صاحبة كل الامتيازات التشريعية والسلطوية والإعلامية، التي استغلت وتستغل بها شعوبها والشعوب الأخرى لتكريس مصالحها في الواقع الاستغلالي الطبقي الذي يعتبر السبب الرئيسي لكل المآسي الإنسانية الأخرى ( والتي عبرها تسلقت الصهيونية العالمية قمة الطبقات الاستغلالية في التاريخ).

6. ولكن لا مبرر لتقليد ذلك ، أو حتى لوجوده في بلدان العالم الثالث ، وخاصة في البلدان التي تدعي التقدمية منها، حيث نرى بعض الامتيازات المهنية الطبقية في بعض البلدان العربية التي لا مبرر لها ولا لاستمرارها، وإذا ما وجدت هذه الامتيازات في هذا البلد أو ذاك بهذا الشكل أو ذلك، فيحسن دراستها ومعالجتها إنسانياً وقانونياً ووطنياً ومنطقياً واجتماعياً ونفسياً على مبدأ: الكل سواسية أمام القانون كأسنان المشط.. إلخ أو ينبغي أن يكونوا كذلك عملا بكل الدساتير المعاصرة التي تقر هذا المبدأ.

7. لأنه من الأفضل العودة إلى الحق بدلاً من التمادي في الباطل، وإلا كان نظاماً (أبارتيدياً، عنصريا) من نوع جديد، لا يستغل فيه الأبيض الأسود فقط، وإنما الأخ أخاه أيضاً...

8. فهذا على سبيل المثال لا الحصر، الإبن الكسول لأستاذ الجامعة في دولة عربية ما، يدخل الجامعة والكلية المطلوبة بامتيازات تفضيلية وراثية كونه فقط ابن أستاذ جامعة (كوراثة لقب اللورد في بريطانيا أو عضوية النادي الأرستقراطي أو قطعة من شاطئ البحر الخ).

وبدلاً من أن يكون هذا الابن الكسول المعني (الذي يدخل كلية ليست من حقه على حساب من هو أجدر منه) القدوة والناجح المبرز على أقرانه بحكم عناية أبيه (مخرج الأجيال) به وتميز بيئته المنزلية(المفروض أنها علمية مليئة بالكتب والمراجع والمعاجم والكمبيوتر والبحث العلمي والمؤلفات والمترجمات والإبداعات والاختراعات.. الخ الخ كما يجب أن تكون أو كما هو موجود في الدول المتقدمة علميا وتقنيا)، نرى هذا الإبن يتكاسل ويتكئ على منصب أبيه لكى يدخل الكلية المطلوبة، وبالتالي النجاح النهائي بهذا الشكل أو ذاك بحكم علاقة أبيه الأستاذ بزملائه الأساتذة الآخرين المدرسين لابنه والمدرس هو لأبنائهم.. أو بعلاقات تخجيلية وعلامات تفضيلية تخول ذلك الإبن المتسلق على منصب أبيه والمتسلل عبر الثغرات القانونية للترشيح لبعثة خارجية، ليعود (إذا عاد) أستاذاً جامعياً أيضاً وبما يشبه الوراثة الآغوية. الخ ، ولولا ذلك لما كان بعض الخريجين غير الأكفاء في أمكنتهم التي يشغلونها بغير كفاءة وبالتالي يخرجون أجيالا عاطلة عن العمل لاتعرف كيف تفعل معلوماتها ولا تقدر على العمل خارج الوظيفة.

9. هذا ونحن لسنا ضد زملائنا في المهنة وأبنائهم سواء منهم الذين استفادوا سابقاً، أو يستفيدون حالياً، أو سيستفيدون لاحقاً ، ولكن السؤال هنا : ماذا يمكننا القول لابن المعلم المدرسي (العضو في نقابة المعلمين كزميله الأستاذ في الجامعة) ؟ و كذلك لابن الموظف؟ ولابن العامل؟ والفلاح؟ والجندي؟.. إلخ. الذي لا تتكافأ فرصته مع فرصة الآخر، لكونه فقط ليس ابن أستاذ جامعة؟ وبالتالي لا يمكنه الحصول على نفس المقعد المكافئ لزميله ابن أستاذ الجامعة. في حين قد يكون أكفأ من ذلك المستفيد من منصب أبيه، وأجدر منه للكلية وللبعثة الخارجية، وللوظيفة الأكاديمية المستقبلية الخطيرة والاستراتيجية لاحقاً.. ولكن قدَره جعله ابن معلم أو موظف أو عامل أو فلاح أو جندي.. إلخ. وعليه والحالة هذه، أن يبذل أضعاف أضعاف ما يبذله ابن أستاذ الجامعة حتى يحصل على ما يحصل عليه الأخير، ولن يحصل بعد دخوله الجامعة لأن علاقات أبيه ليست على المستوى المهني المطلوب.

10. ثم هنالك النقابات التي تضم المتخرجين من ذوي الياقات البيضاء مثل نقابة الأطباء، نقابة المهندسين، نقابة المحامين .. إلخ المتميزة عن بقية النقابات والاتحادات الكادحة الأخرى (كنقابة المعلمين واتحاد العمال واتحاد الفلاحين.. الخ) الذين درس أعضاؤها على حساب المجتمع وكملوا دراساتهم التخصصية المكلفة جداً كذلك، ولكنهم بعد حصولهم على الشهادة الكبيرة المطلوبة، بدلاً من أن يوظفوها لخدمة الكادحين (الذين اقتطعت الضريبة من خبزهم وعرقهم ليقدموا لهم أجور تعليمهم الباهظة في الداخل والخارج)، نراهم يستغلون شهاداتهم كسيوف مسلطة على رقاب مواطنيهم الممولين لهم من الكادحين لاستغلالهم بها. فبالإضافة إلى أجرة الطبيب في الكشفية الطبية المتجاوزة في أغلب الأحيان لتسعيرة وزارة الصحة وبشكل مضاعف إن لم يكن أكثر، نرى أن نقابة الأطباء كذلك الأمر تجهز على ما تبقى باستغلال المريض المحتاج إلى التقرير الطبي وتأخذ منه مقابل ورقة (تساوي قروشا أو ملاليم) رسم النقابة الباهظ ، بحجة أنها تحمل أسم النقابة وخاتمها..

 11. وقس على ذلك ما يخص (المهندس، ونقابة المهندسين)، و(المحامي، ونقابة المحامين.. إلخ). لتتكدس في حسابات هذه النقابات مئات الملايين، لينعم أعضاؤها ويترفهوا بها هم وورثتهم على حساب حرمان الكادحين وورثتهم.

12. وليت الأمر أقتصر على ذلك، وإنما يتعداه أيضا بمسافات بعيدة، وذلك بسبب معرفة البعض من المعنيين من (الانتلجينسيا) العرب للقوانين وثغراتها الكثيرة، ولذلك فهم لا يتأخرون عن استغلالها حتى النقطة الأخيرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو عبر تعاونهم مع الممولين (مثل استيراد مالا يخطر للكادحين ببال في استيراده، من سيارات وأثاث وغيره.. الخ)، وحصولهم على الأراضي في الأماكن الاستراتيجية برا وشاطئا بأسعار رخيصة من الجهات الرسمية بحجة بناء النوادي، والشاليهات الخاصة، والجمعيات التعاونية (أو قل القصور والفيلات التعاونية).. الخ، ويحصلون لبنائها على القروض المصرفية التعاونية وعلى أغلب مواد البناء بأسعار تعاونية معفاة بنسبة كبيرة من الضرائب والرسوم الجمركية بحجة أنها لبناء نوادٍ وشاليهات ومساكن (تعاونية !!!).

ولكن لو نظرنا إلى النوادي والشاليهات المعنية لوجدناها مستعمرات خاصة تمت على حساب كل المجتمع براً أو بحراً ، وكذلك إلى التعاونيات السكنية في بعض الأحياء التعاونية ذات الخمسة نجوم لرأينا أن كلفة الباب الحديدي الخارجي للفيلا الواحدة (التعاونية حتما) يمكن أن يؤمن بها مسكناً مقبولا لعائلة متوسطة من ذوي الدخل المحدود. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: من أين أتى هؤلاء بكل تلك الملايين؟ اللازمة للبناء المجمدة في ذلك البناء الحجري، في حين كان يمكن بها مجتمعة، بناء عشرات الآلاف من المساكن التعاونية الحقيقية، أوالمجمعات السياحية الوطنية الجماهيرية الكبيرة أو تأمين وسائل الإنتاج الضرورية التي تؤمن فرص العمل لعشرات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، وتقدم إنتاجا للوطن وبما يغنيه عن الكثير من المستوردات المكلفة بالعملات الصعبة.. الخ الخ، ولكنها وللأسف الشديد جمدت في الحجارة والقصور الكبيرة المزخرفة (وبما لا يوجد مثلها في أغنى العواصم الأوربية) ، ومثل هذه الأبنية تدفع عنها ضرائب الرفاهية في الدول المتطورة، كما عن كل وسائل الرفاهية الأخرى. ولكن الذي يدعو إلى التعجب أكثر هو أن أصحاب هذه القصور ربما لا يدفعون عن مساكنهم الأسطورية تلك أكثر مما يدفعه موظف بسيط عن مسكنه المتواضع، أو يدفعه صاحب مدجنة ينتج للوطن اللحم والبيض والريش والسماد، ويشغل الكثير من الأيدي العاملة في علاقاته العملية الانتاجية الأمامية والخلفية.

13. هذا وإذا علمنا أن كل هذا وذاك يُستَد في نهاية الأمر من حقوق وعرق الكادحين من العمال والفلاحين وغيرهم، الذين هم صنعوا كل أولئك الأعضاء والنقابات المستغلة لهم ولأبنائهم والذين يصدق فيهم قول الشاعر العربي القديم:

وقد علمته نظم القوافي

                         ولمـــا قال قافية هجانـي

أعلمه الرماية كل يـــــــوم

                         ولما اشتد ساعده رماني

14. هذا ولا شك أن كل الكادحين العرب يعرفون مستغليهم، ويدركون الأخطاء ولكنهم (كأبناء الدول النامية) ليس لديهم العصبة ولا الجرأة، ولا الإلمام بالقوانين وثغراتها للمطالبة بتصويب الأغلاط وإعادة الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أهلها.

والسؤال: وقياساً على نقدنا السلبي للسياسة الأمريكية للكيل بمكيالين ومطالبتنا لأمريكا بالمكيال العادل الواحد.. أفلا يحق لنا كمواطنين عرب، المطالبة بالمساواة وتكافؤ الفرص لكل أبناء الوطن، أمام القانون وأمام الوطن؟.

وأن لا يكون لطبيب على مريض، ولا لمهندس على عامل، ولا لمحام على موكل، ولا لمستغِل على مستغَل.. إلخ إلا بمقدار ما يقدمه كل منهم من خدمة مكافئة ونافعة للمجتمع وللوطن. وفق القول: (أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعيال الله).

15. وإذا كان هنالك من امتيازات يجب أن تعطى في أي مجتمع من المجتمعات للدخول في الجامعات والمدارس فهم أبناء الشهداء فقط، الذين قال في آبائهم السيد الرئيس الخالد حافظ الأسد: (الشهداء أكرم من في الدنيا و أنبل بني البشر) والذين يجب تفضيلهم إكراما لتضحيات آبائهم وتقديسا لقيم الشهادة وتشجيعا عليها، ولكن إذا كان من يستحق ذلك الحق غيرهم، فهم في رايي أبناء الكادحين من العمال والفلاحين الذين يقدمون لنا الكساء والغذاء والحذاء والماء والكهرباء والسكن.. إلخ ويعملون بالليل والنهار في الخدمات والأعمال السوداء التي لا يرضى ذوو الياقات البيضاء أو أبناؤهم (المميزون) العمل فيها. وذلك ليعطى كل ذي حق حقه ، ويكرم كل بحسب جهده، وعرقه الذي يبذله، والأخطار التي يتعرض لها، وحتى لا يستمر المستغَلون يكدحون ويمرضون ويموتون في الجحور، ليتنعم بتعبهم وعرقهم مستغلوهم (الانتلجنسيون )والكومبرادوريون الجشعون( في الحبور وفي القصور. 

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:31