عمرو السواح عمرو السواح

إحراق الأوراق الثقافية: أنا وبيتر بروك

فجأة لاحظت التشابه الغريب بيني وبين المخرج المسرحي الأكثر شهرة في أيامنا هذه بيتر بروك، طبعاً، بعد أن استثنيت لون الشعر السابق واللاحق لبيتر واستثنيت لون البشرة، العينين الطول، البرج الفلكي الذي ينتمي إليه و53 سنة تفصلني عن بيتر إلاّ أنه ما زال هناك شبه كبير بيني وبينه من حيث البدايات والتجربة المسرحية، قد لا تصدقون ذلك لكنني سأعمد إلى إثبات ذلك لكم على الشكل التالي، أولاً فقد أراد بيتر أول الأمر قبل أن يبدأ بتجربته المسرحية الأولى أن يعمل في السينما بنفس الاندفاع الذي كنت أرغب فيه أن أدرس السينما لكن الأقدار جرته لأن يبدأ بالعمل في المسرح وأنا أيضاً كنت أحب أن أدرس السينما لكنني حولت طريقي باتجاه المسرح لاحقاً مع اختلاف بسيط عن أسباب بيتر وهي أنه لا يوجد لدينا معهد سينمائي.

وعندما بدأ بيتر بدأ في أكسفورد وظهرت عبقريته في سن مبكرة فأخرج أعمالاً لشكسبير وهو دون العشرين، أثارت هذه الأعمال إعجاباً واهتماماً شديدين  أثناء تقديمها. أنا أيضاً أدرس في معهد للمسرح يمتلئ طلابه بنفس الشغف وحب المسرح الذي يوجد لدى أي طالب يدرس المسرح في أي أكاديمية مسرحية، وقد حاولت أن أقدم أول تجربة مسرحية لي مع مجموعة من أصدقائي الذين يدرسون في نفس المعهد، والحقيقة أنها لم تكن تجربتي أنا وحدي فقط، أو الأصح أنها  لم تكن تجربتي، فقد كان الشباب ينوون أن يقوموا بتقديم مسرحية داخل المعهد ونقصهم راقص (كومبارس) وبحكم المونة بيني وبين أصدقائي فقد قبلت أن أكون معهم في التجربة على الرغم من أنني لا أدرس التمثيل ولا الرقص، لكنني قبلت فرحاً، للدخول في تجربة مسرحية مهما كان نوعها، أشرف على تصميم الرقصة طالب آخر في نفس المعهد، طرد لاحقاً من المعهد، وبدأنا بالتجربة التي تقلص الفضاء الذي يجب أن يحتويها من مسرح إلى أستوديو، وتقلص العمل نفسه من مسرحية ستعرض على جمهور عريض إلى بروفة مسرحية، ثم (كشت) أكثر إلى مقتطفات ستقدم ضمن بروفة ستعرض على قلة من الطلاب والأساتذة، لكنني بدأت العمل مبكراً في المسرح مثلي مثل بيتر، على كل حاول الشباب أنفسهم تقديم عمل آخر وبعد جهود مضنية استطاعوا في العام التالي تقديم عمل مسرحي ولم تتكرر هذه التجربة لاحقاً.

وفي نفس عمري تقريباً كان يتنقل بعروضه بين برلين إلى باريس إلى لندن  وأنا أيضاً  في الأعياد أتنقل على الطريق بين حمص وحماة ودمشق، وفي عمر 25 سنة كان بيتر في جولة مع ما كان يسمى في وقتها (مسرح شكسبير التذكاري) حضر هناك عروضاً في البرلينز انسامبل والتقى في من التقاهم في برلين المخرج المسرحي برتولد بريشت، وتناقش بيتر مع برتولد في مشاكل المسرح، ووجد بيتر نفسه لا يستطيع موافقة برتولد في أرائه حول الوهم ورفض الوهم، وأنا أيضاً في نفس العمر تقريباً ذهبت مع مجموعة كبيرة من أصدقائنا في رحلة ولكن ليس إلى برلين بل إلى بيروت والاثنتان تبدءان بالباء، على كل ركبنا البوسطة ولم نترك أغنية لزياد الرحباني تعتب علينا كما في معظم رحلاتنا صفقنا ورقصنا ودبكنا على ألحان أغنية ع هدير البوسطة لجوزيف وليس لفيروز كي لا نكون متثاقفين، ثم نزلنا في الروشة واستمتعنا بالبحر والأمواج المتلاطمة، لكننا قبل ذلك حضرنا عرض (أرخبيل) على مسرح بيروت للمخرج الشاب عصام بو خالد، ولم نتناقش حول هموم المسرح أو مسرحيته إلا بعد ذلك عندما زار دمشق، ولا أعتقد أن المخرج يتذكر شكلي أبداً لأنني أتيت متأخراً عن اللقاء وكان مشغولاً بالإجابة حول سيل من الأسئلة المنهالة عليه.

وفي أحد الأيام ذهب بيتر إلى ملهى ليلي في وارسو والتقى هناك بـ (جان كوت) مؤلف شكسبير معاصرنا وتنشأ بينهما علاقة طيبة جداً، أنا أيضاً أذهب إلى ملهى وألتقي بجان ولكن ليس جان كوت بل جان آخر هو البار مان صديقي والذي كان يأمل يوماً أن يكون شاعراً، يبدأ بقراءة أشعاره لي وأستمع إليه على مضض مقابل زجاجة أو ربما زجاجتين من البيرة على حسابه.
في إحدى بروفات بيتر دخلت فجأة عليه الممثلة مارلين مونرو وأخذت تراقب العمل، وهذه حتماً لم تحصل معي.

على كل فلعلكم لاحظتم الشبه الكبير بيني وبين بيتر، لكنني أعتقد أنني قد أسبق بيتر في بعض النواحي فكتب بروك تنتظر 20 سنة أو أكثر حتى تترجم إلى اللغة العربية ويقرأها القارئ العربي النهم بينما أنا عندما سأنزل كتاباً إن وافق على نشره أحد فسوف يكون باللغة العربية وسيتلقفه القارئ العربي بسرعة أكبر.
على كل لقد جاء قراري بألا أكون مخرجاً ببساطة لكي لا يأتي أحد يوماً ما ويقول أنني أتشبه ببيتر… بروك ولعلي اتخذت القرار الصحيح بالتوجه للكتابة بدل الإخراج. على الرغم من أن هناك شبهاً صغيراً بيني وبين فوكنر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
176