خالد الهرابي خالد الهرابي

فنجان قهوة؛: أهمية الثقافة في عصر العولمة

إن اصطلاح الثقافات الذي استعملناه لحد الآن هو الإصطلاح الأنتروبولوجي الذي يراد به الحضارة أو كل ما ينتجه المجتمع من معتقدات وتصورات وتقنيات وموارد وتجهيزات وفنون.. إلخ.

ولكن هناك المصطلح العامي المتداول الذي يعني بالثقافة مخزوناً معرفياً يمتاز به المثقف والمفكر والثقافة بهذا المعنى هي أمر زائد عن التعليم. فالمتعلم هو الذي اكتسب معلومات وربما تقنيات ومهارات إما تسهل اندماجه في المجتمع (معرفة القراءة والكتابة) أو تهيئته إلى القيام بشغل معين. أما المثقف فهو زيادة على ما يمتاز به المتعلم له دائرة معرفة أوسع مما يحتاجه لأداء  شغله وله قدرة على إدراك حدود المعرفة وعلى إيصال المعرفة التي يمتلكها إلى الغير وعلى مخاطبة العموم. ويملك المثقف كذلك القدرة على إنتاج أفكار ورؤى وربما نظريات جديدة ليصبح في النهاية مثقفاً وعالماً ولكل مجتمع مثقفوه يلعبون الدور المناسب لهذا المجتمع الذي يعطيه لمفهوم الثقافة. والملاحظ أن هذا المحتوى يختلف عبر العصور فيمكن أن تقتصر الثقافة على العلوم الدينية أو على الآداب والفنون أو تكون موجهة إلى العلوم الصحيحة.

إن العصر هو عصر طفرة العلوم والمعارف وربما تخلص الفكر الإنساني من مبادئ الحقيقة الواحدة والسببية الخطية وتناسق الظواهر الطبيعية والاجتماعية هو الذي جعله يتفتق ويشهد تطوراً سريعاً معتمداً على مبادئ الفكر المركب الذي يعطي الاعتبار للتمايز والاختلاف ويبحث عن الروابط بين الجزء والكل وبين الميادين العلمية المختلفة.

إن العصر الحاضر هو كذلك عصر العولمة بمعنى سقوط الحواجز بين الدول في ميدان الاقتصاد والمعارف وانتقال البشر ورغم أن هذا الهدف لم يتحقق بعد والكثير من الحواجز الظاهرة والخفية مازالت قائمة إلا أن تيارات هائلة تخترق العالم ناقلة للثروات والمعلومات والبشر. ومن المفارقات أنه مقابل انفتاح العالم هناك تصاعد لدى شعوب كثيرة بما فيها تلك الأكثر تقدماً بأوروبا مثلاًَ، في الاهتمام والتمسك بالهوية والمميزات الثقافية. ومن الأعراض التي يمكن اعتبارها مرضية نظراً لنتائجها لسلبية هي التي تربط الهوية بنظرة التفوق واعتبار أن ثقافة المجتمع المعني هي الأرقى والأفضل وهذا يؤدي إلى الأصولية بمختلف أشكالها، أو تربطها بنظرة التفوق واعتبار أن ثقافة المجتمع المعني هي الأرقى والأفضل وهذا يؤدي إلى العنصرية.

في حين أن المحرك الفعلي للغيرة على الهوية في ظل العولمة هو الرغبة في المحافظة على الاختلاف ومقاومة سيطرة النمط الواحد من العيش والتفكير والسلوك وليس ذلك بهدف الإبقاء على بنى فكرية واجتماعية

موروثة وإنما بهدف الحفاظ على فرصة ثقافة للمساهمة في الثقافة الدولية حتى لا تسيطر ثقافة تمتلك الوسائل المادية والتكنولوجية الهائلة وتسلب من المجتمعات الأقل إمكانيات قدرتها على التعبير والخلق والإبداع وجلب الاهتمام لإنتاجاتها الثقافية ونشرها عبر الثقافات. هذا التحدي الذي أرادت أن ترفعه أوروبا لما فرضت سحب المنتجات الثقافية من المفاوضات المتعلقة بالتبادل التجاري الدولي.

وهذا الاعتبار للثقافة المجتمعية والتمسك في المساهمة في الثقافة الدولية يبعث على تنمية قدرات هذه الثقافة على الخلق والإبداع اعتماداً على الركائز الموروثة التي تميزها، وعلى الإمكانيات العلمية والتكنولوجية التي يوفرها العصر الحديث.. ومن العوامل المحركة للإبداع الثقافي هي طبيعة  الثقافة المركبة والتمايزات والاختلافات التي تنطوي عليها والتي من  شأنها أن تثري وتجدد وتعطي الحركية لثقافة حية.

وفي هذا الإطار تظهر أهمية وجود مبدعين ومفكرين وعلماء ضمن المجتمع. فبقدر ما ينمو عدد هؤلاء بفضل التكوين والتحفيز والمكانة الاجتماعية التي تعطى لهم بقدر ما ينمي المجتمع طاقاته الذاتية ومكانته الكونية. وبالمقابل فإن الدور الذي على المثقف أو المفكر أو المبدع أن يلعبه هو دور مركزي ومثقل بالواجبات ومن بينها الارتباط العضوي بمجتمعه لطرح القضايا التي تهم هذا المجتمع وصقل الأفكار بالاتصال والكتابة والنشر. وهكذا نستخلص أن التأهيل الثقافي يمر  حتماُ عبر تنمية الطاقات العلمية والفكرية والإبداعية لدى المجتمع مع القدرة على نشر إنتاجاتها على مستوى الشعب عامة ثم على المستوى الدولي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
176