من التراث «شيخ من اللاذقية»

منذ اللحظة الأولى للدعوة، أعلن الدين الإسلامي انحيازه للفقراء والمعدمين والمستضعفين، ووقف معلناً الحرب في وجه الارستقراطية القرشية، ليستكمل أهدافه في رفع الظلم وإعادة الحقوق إلى المحرومين منها...

ولعل حق الإنسان في وطن كريم آمن، هو أقدس تلك الحقوق، ويأتي الدفاع عنها ومقاومة محتليها من صلب وجوهر العقيدة الإسلامية، هذا ما أدركه شيخنا الكريم وسعى لأجله، فكان انتقاله من سورية إلى فلسطين ليس لأن الاحتلال الإنكليزي أقل ظلماً من الفرنسي وليس هرباً من الفرنسيين، بل لأنه رأى ببعد نظرٍ نادر ورؤية واضحة في تلك الأيام أن الخطر الحقيقي يكمن في الاستعمار الإنكليزي لفلسطين وما يترافق معه من استيطان صهيوني ووعود سريّة لسلب كامل الأرض العربية ومنحها لهم.
كان قد أظهر تميّزه عن مشايخ عصره الذين انشغلوا بالعبادات والأدعية وحسب دون الاكتراث بما يدور حولهم من مكائد، بل وعلى العكس من ذلك فقد كانت الكثير من القيادات الروحية والسياسية في فلسطين تتقرّب من المحتل الإنكليزي لكسب وده، وترى الخطر كل الخطر في اليهود فقط وتحلم بوقوفه في صفهم حين قال في خطبةٍ له: «يجب أن تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة، فإذا خسرتم أرضكم كيف ستنفعكم الزينة وهي على الجدران».

مؤكداً منطق الدين ذاته في مقاومة العدوان ومتمثلاً في قول النبي محمد (: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالجهاد فقد مات على شعبةٍ من النفاق».
وبهذا تكون حركته أول تنظيم عربي ثوري إسلامي يقوم على قاعدة صلبة، وتعتمد على جموع الفلاحين والعمال والفقراء الذين سكن مهم في حي حيفا القديم ولم يقبل أن يبتعد عن قاعدته الجماهيرية إلى مكان آخر طيلة حياته فأوجد خلايا ولجنان عديدة منها (لجنة الدعوة، لجنة التموين، لجنة التدريب، لجنة الاستخبارات أو الاستطلاع، لجنة العلاقات الخارجية)، وكانت خلاياه التنظيمية تتشكل من خمسة أفراد مهيأين جسدياً ومعنوياً وتنظيمياً، استشهد بتاريخ 20/10/1935م، فكانت بعدها ثورة العام 1936 المعروفة، وكنتيجة حتمية لما بناه وعمل له. وقال فيه الشاعر محمود حامد:

كم ذا يطيب الموت في شرف العلا
هوذا كتاب الصبح مسك ختامُ
هو غاية الغايات وهو مُرامُ
دَمُنا بدايته ونحن ختامُ
إنه شيخ المجاهدين وعنوان الثائرين الشهيد عز الدين القسام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
281