الكاتب محفوظ عبد الرحمن: أزمة المسرح.. أزمة عصر الاستهلاك

الكاتب والمؤلف والسيناريست (محفوظ عبد الرحمن)، بدأ حياته بالكتابة للمسرح واشتهرت له عدة أعمال مسرحية منها (عريس لبنت السلطان) و(حفلة على الخازوق) و (احذروا) وغيرها، تخرج من كلية الآداب قسم التاريخ لذلك نراه عاشقاً للتاريخ ويظهر عشقه هذا واضحاً في أعماله المسرحية والتلفزيونية.

من اشهر أعماله التلفزيونية التي تركت بصماتها في ذاكرة المشاهدين مسلسل (بوابة الحلواني) ومسلسه الأخير (أم كلثوم) والذي أثار ضجة إعلامية كبيرة بين مؤيد ومعارض، وهو أيضاً من كتب سيناريو فيلم (ناصر 56) الذي دار حوله كثير من اللغط، عن مشواره الفني حدثنا بهذا اللقاء.

الدراما التاريخية

* هل دراستك للتاريخ لها دور في أن تكون أغلب أعمالك مستوحاة من التاريخ وقصصه؟

** لقد أحببت التاريخ منذ وقت مبكر، وأحببت الدراما التاريخية لظروف خاصة، هي أنني نشأت في أسرة كثيرة الترحال والتنقل بسبب عمل والدي، هذا التنقل حرمني من إقامة صداقات دائمة، فعشت وحيدأ، وكان الراديو صديقي الوحيد، والقراءة هي الشيء الذي استحوذ على اهتمامي، وكانت متعتي الوحيدة، فقرأت ما كان متوفراً داخل البيت وكان أول كتاب قرأته حينها هو (عنترة أبو الفوارس) لفريد أبو حديد، ثم (مجنون ليلى ومصرع كليوباترا) و(أميرة الأندلس) للشاعر الكبير أحمد شوقي، وكلها كانت دراما تاريخية، أحببت التاريخ حباً حقيقياً، وأنا استمتع جداً بقراءتي للتاريخ وأفضله على أي موضوع آخر، ولم تكن دراستي له إلا عن حب واقتناع.

صدمة.. و»حفلة على الخازوق»

* كانت لك إضاءاتك المسرحية، فلماذا توقفت، هل حقاً سرقك التلفزيون؟

** التلفزيون لا يسرق أحداً، ربما السبب هو أن بدايتي المسرحية كانت سيئة، فقد كتبت مسرحية عام 63 وقدمتها لوزارة الثقافة وبعد أن قبلت اتفقت مع المخرج وباتت المسرحية جاهزة للعرض وفي آخر لحظة أوقفتها الرقابة، أصبت بصدمة حينها وتوقفت عن الكتابة للمسرح لفترة حتى عدت بمسرحية (حفلة على الخازوق) التي لاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً حين عرضت في مهرجان دمشق المسرحي عام 1976، تصالحت بعدها مع المسرح وعملت (عريس لبنت السلطان) وكلتا المسرحيتين من إخراج الفنان الكويتي المبدع «صقر الرشود»، هذا النجاح لأعمالي مع «صقر الرشود» شجعني على أن أكتب مسرحية له خصيصاً هي (الفخ) ولكن توفاه الله في حادث سير في الإمارات وأحسست بفقدانه إنني فقدت نصفي المسرحي الذي يفهمني، وكانت صدمتي الثانية، فابتعدت عن المسرح من جديد، وعندما عدت للكتابة المسرحية كنت أنشر ما أكتبه دون أن أسأل من سيخرج العمل، والواقع المسرحي المؤذي والمفزع حالياً يبعدني عنه.

مسلسل أم كلثوم.. والجدل

*  رغم نجاح مسلسل أم كلثوم، برأيك لماذا أثار كثيراً من الجدل؟

** لأنه صدم مجموعة من الناس وهذا متوقع. فهو المسلسل الأول الذي تعامل مع شخصيات نعرفها وعاشت معنا، وبعضها مازال على قيد الحياة، فأبطاله حقيقيون معروفون وقريبون جداً منا، وكذلك فيلم (ناصر 56) الذي مازالت بعض شخصياته موجودة بيننا حتى اليوم مما خلق نفس المشكلة. فوجود أشخاص على قيد الحياة ممن عاشوا وعاصروا أحداث تلك المرحلة، هو أحد العوامل التي أثارت الجدل حول هذين العملين. فمثلاً من رأى أم كلثوم مرة تمشي في الطريق اعتبر نفسه مرجعاً أو أنه يجب أن يُسأل عنها، والآخر الذي عاش مع أم كلثوم ثلاثين سنة ولكنه لم يتحدث معها مرة حديثاً حميمياً أو شخصياً كالموسيقيين من فرقتها، وبعض اقاربها اعتبروا أنفسهم أيضاً مصدراً  يجب العودة إليه. والعامل الثاني الهام، هو العامل السياسي، فكل من عمل بالسياسة حينها يريد تحزيبها، البعض أصر على أنها تنتمي للملكية، وأنها منعت من الغناء في عهد عبد الناصر،وأن عبد الناصر كان يحاول أن يجعل من ليلى مراد بديلاً لأم كلثوم،وهذا كلام أجوف، والناصريون يحزِّبون أم كلثوم لصالحهم ولحساب عبد الناصر وقالوا إن أم كلثوم «كانت أحد أسلحة عبد الناصر» أما الساداتيون فلهم مشكلة كبيرة مع أم كلثوم، لأن أم كلثوم لم تغن في عهد السادات ولا غنت للسادات لأنه كانت هناك مشاكل بينها وبين جيهان السادات وأنور السادات، وصلت لدرجة منعها من الغناء، طبعاً هم ينكرون هذا.

والذي حصل أن الساداتيين بداية رحبوا بالمسلسل وحيوه وانتظروا النهاية ربما يلمح المسلسل للفترة الساداتية، فلم يحصل، إذاً الفترة الساداتية ماذا يقول التاريخ فيها… وماذا أقول أنا فيها من خلال العمل هي المشكلة.. وسأفتح العمل على مرحلة الساداتية لكن من خلال المسرح.

*  هل تكرر الشيء نفسه في فيلم عبد الناصر؟

** مشكلتي مع فيلم عبد الناصر، كانت مشكلة مباشرة ليس فيهاالتواء، لقد قبله الشارع العربي، ورفضه من هم ضد عبد الناصر، وكانت المشكلة أكثر وضوحاً، رغم أنه حقق إيرادات خيالية، فقد كتب أحدهم، أنه فشل تجارياً، وكتب أحد المؤرخين 27 مقالاً هاجم فيها الفيلم ولم يهاجم في معلومة تاريخية واحدة، إنما فقط في تفسير المعلومة، وهذه قد نختلف فيها بشكل طبيعي وعادي حتى بعيداً عن الفيلم.

مهرجانات احتفالية

*  هل تخدم المهرجانات المسرحية إحياء العمل ككل؟

** هذه المهرجانات إن لم تُربط بالحركة المسرحية، فلن تساعد، يجب أن يكون الهدف الأول من هذه المهرجانات تنشيط الحركة المسرحية، هذا التنشيط له وسائله. مثلاً زيادة عدد المسارح لتنشيط العروض وزيادتها، وأيضاً استقدام ضيوف على مستوى فني عال لهم خبرتهم وتاريخهم في الحقل المسرحي، كما يجب أن تتفجر المشاريع المسرحية الجديدة والمبتكرة في هذه المهرجانات.

كل هذه الأمور يجب أن تكون واضحة في أذهاننا، ولكن للأسف أن ظاهرة المهرجان المسرحي انفصلت عن أسبابها وأهدافها، وفي كل الأحوال، المهرجانات المسرحية هي ظاهرة لاشك مفيدة وجميلة ولكن تبقى كحالة أو ظاهرة احتفالية فقط وتصبح بلا قيمة إطلاقاً إذا أفرغت من معناها.

* ما رأيك بظاهرة المسرح الشبابي وإلى أي حد يمكن أن يعول عليها؟

** ليس من منطلق أنني من المسرح الكلاسيكي القديم نسبياً، ومع احترامي، فأنا ضد أن هناك مسرحاً شبابياً ومسرح عواجيز ومسرحاً نسائياً ومسرحاً كهولياً، لأنني ضد التصنيف الشديد هذا، بصفتي كاتباً كتب للمسرح لربع قرن وأكثر فأنا مستعد للعمل مع مخرج شاب، إذا وجدت فيه الموهبة وإذا أحسست أنه يمكن أن ينفذ العمل، لأن شباب المسرح في أفكاره وإبداعه وتمرده والصراع الذي يحدثه من خلال اختلافه مع المجتمع، وليس في أعمار كتابه ومخرجيه، وأنا بالتالي ضد التسنين في العمل المسرحي، فلابد أن تترك مساحة للشباب دائماً، مع الاستعانة بعناصر غير شابة، يفرضها النص لأنه لابد أن يكون هناك دور لأب أو جد أو جدة، نحن بحاجة لمنهج ينظم هذه التجارب الجديدة والأفكار الجديدة، كما علينا أن نترك الباب موارباً قليلا للشباب ونسمح لهم بأن يختلفوا معنا، ويتمردوا علينا، لنخرج ما بداخلهم من إبداع وتجديد.

* لماذا تعاد الآن محاكمة مسرح الستينات، وتكال له الاتهامات بأنه مسرح سلطوي وفئوي..؟

** هناك أشخاص لايفهمون سياسة أو خلفية الأشياء.. فنجدهم يهاجمون، فمثلاً يقولون أن المسرح أيام عبد الناصر كان ملك الحكومة وممثليه ومخرجيه ومؤلفيه هم موظفون عند الحكومة، إذاً فهو مسرح الحزب والسلطة،.. برأيي هذا غباء في فهم الخريطة السياسية، ولاتزال هذه المناقشات تدور كل فترة لأن قضية الثقافة تختلف تماماً عن قضية الإعلام والخارجية، لقد كانت المعارضة المصرية في الستينات من خلال المسرح السياسي، والمسرح فقط كان صوت الناس المعبر، فلا الصحف ولا الحزب ولا الإذاعة كانت لهم القدرة على عمل ما يقوم به المسرح، إذاً فالمسرح في الستينات لم يكن سلطوياً لأن السلطة أصلاً لم تكن تقليدية، لقد كانت سلطة الستينات تحتوي اتجاهات مختلفة هدفها البحث عن التغيير والعدالة الاجتماعية وغيرها من المفاهيم التي ربما لم تعد تصلح لعصرنا هذا.

* وعلام ترجع أزمة المسرح إذاً؟

** إنها أزمة عصر، أفرزت كل هذه الأزمات، لأننا نعيش في عصر استهلاكي لا يهتم بالمسرح ولابغير المسرح من المنابر الثقافية، وهذه الأزمة عامة على كل الحركة المسرحية في العالم، فالتحول الذي حصل، جعل من المجتمعات المنتجة مجتمعات مستهلكة، فتجدين أن الممثلين أكثر من المتفرجين حتى في أعرق مسارح العالم، لماذا؟

لأن المواطن الذي كان يدخل المسرح، وهو مطمئن على دخله الصغير، وفي قدرته على تأمين حاجاته الأساسية السهلة اليسيرة.. أصبح قلقاً الآن على مستقبله، وكيف يصبح غنياً وكيف يجمع الأموال.. هذا الرتم السريع للحياة في المجتمع الجديد الاستهلاكي جعل من هذا الإنسان القلق والمتعب والخائف عندما يريد الذهاب بعد عمله لمكان ما يرفه عنه فهو يختار المكان الذي يفرفشه ويضحكه.. أو يختار المسرح السوبر مثل مسرح عادل إمام، يحضره مرة في السنة ويكتفي بذلك…

وأيضاً لا ننسى دور التلفزيون الذي هز المسرح كما اهتز عندما اكتشفت السينما..

والتلفزيون يدفع أكثر، وهذا ما يدفع الكتاب للاتجاه نحوه لأن المادة بحد ذاتها إغراء هذا أولاً، وثانياً التلفزيون يحترم الكاتب وهو يذهب إليه ليأخذ ما أنتجه ليعرضه، ثم إن عقود التعامل مع المسرح مخجلة وهي إهانة لأي كاتب، فإلى جانب أن الأجر زهيد جداً لأي  عمل مهما كان عظيماً تقدمه للمسرح.. يجب عليك أن تذهب للشهر العقاري لتسجل تنازلاً عن النص لمصلحة مديرية المسارح لمدة عشر سنوات، وتتعهد بعدم نشره لا في التلفزيون ولا في الإذاعة ولا في السينما، ولا حتى في كتاب، وأخيراً تأتي إدارة المسرح لتعطل كل شيء ويقدم العمل بصورة سيئة دون إعلانات لذلك أقول إن نظام المسرح هو الذي يخيف المبدعين ويبعدهم ولا يحترمهم فيهربون إلى التلفزيون….

 

* هند مرشد

معلومات إضافية

العدد رقم:
172