تعانقنا وبكينا معاً!
يعكس النتاج الإبداعي الشعري للشاعر العراقي – الكردي عبد الله كوران، الوعي والثقافة السائدين في مرحلة النسيج الثقافي العراقي، رغم تعدد ثقافاته، وتعبر عن وعي مبكر واستشرافي، لما يجب أن يكون عليه العراق.
كان لوثبة كانون 1984، في العراق، وانطلاقة موجة التجديد في الشعر العربي، على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وبلند الحيدري، دورهما في رسم الملامح الشعرية لعبد الله كوران« 1904- 1962»، فالجبال لم تكن تنأى عن الآلام الأخرى للعراق، وهي مثلها ترفل بالشقاء والكد والكفاح، وبالإضافة إلى ذلك طرح مواضيع غير تقليدية، مثل المرأة والوطن ووحدة الكرد والعرب، كما راح يثمّر إجادته لخمس لغات في إطلاق إبداعه، وفي تثوير اللغة الكردية وأدابها.
يقول الدكتور عز الدين مصطفى رسول، في المقدمة التي كتبها لديوان كوران: «أن أعماله الأولى كانت قصائد رومانتيكية، ومن ثم أصبحت تصنف كقصائد من الواقعية، وتحكي عن ألوان الحياة والإنسانية والاشتراكية. استخدم عبد الله كوران صور من الفلكلور الكردي واللغة المحكية في بناء القصيدة لتصوير حال الشعب».
قصة الاخوة!
لعل ما يوضح رؤية الشاعر عبد الله كوران للمشهد العراقي، هو القصيدة التي تحمل عنوان قصة الأخوة، حيث يقول:
«أخي العربي- كم من عباءة - كم من لبّاد – مزقنا – كنا نعمل بالسخرة للظالمين – آه كم مسحنا العرق من جباهنا – ونحن مثقلون بالأحمال – أخي العربي – يا ذا العينين السوداوين – مرّاًَ كان نصيبك – مرّاً كان نصيبي – قد جرعنا المرارة من كأس واحدة – فأضحت أخوتنا عسلاً شهياً – أخي العربي – لمع سيف – وغرق بريقه في دماء – سالت من عنق أبي – من عنق أبيك – على تراب التاريخ – وفجعنا كلانا بأبوينا – الهموم تعصر أعيننا قطرة، قطرة – فتعانقنا وبكينا معاً – فجعل البكاء منا أخوين».
عرس الجمهورية
كتب كوران عن الظلم في جبال هورمان، ودوّن الافكار الأولى عن أخوة السعبين العربي والكردي، ووحدة نضالهم، كتب عن الصداقة مع الشعوب الكورية والفيتنامية، وحيّا نضال الشعبين ضد اليانكي، كتب عن جناحي حمامة السلام البيضاء لبيكاسو، واستخدم الأمثال الشعبية في شعره، والقوافي والجمل القصيرة المعبرة، وترجم القصص القصيرة والمقالات والحكايات المختلفة، وهو بذلك يعتبر أحد أهم الرموز الثقافية الكردية في العصر الحديث، لدرجة يضعه البعض في مرتبة رسول حمزاتوف، وناظم حكمت، ولويس آراغون، وبابلو نيرودا، ومحمد مهدي الجواهري. وأهم قصائده تلك التي تحكي عن نضال الشعب العراقي.
يقول في قصيدة كتبها في سجن بعقوبة عن ثورة 1958 العراقية:
14 تموز – إنه عرس الجمهورية – فيا أيها الجسد الراقد في الزنزانة – أيتها السلاسل..... اصمتي – صمت السكون في الأذن – وأنت أيتها الريح المرتبطة بزنزانتي – اغفي كما يغفو الطفل الرضيع.
حقبة كوران
كان كوران معارضاً للحكم الملكي في العراق، أسهم في التظاهرات العارمة إبان وثبة كانون الثاني سنة 1951 حتى عام 1952 ومرة ثانية عام 1954 كما اعتقل عام 1956 مرتين إحداهما أثناء الاحتجاجات ضد العدوان الثلاثي على مصر، ولم يطلق سراحه إلا بعد ثورة 1958 في العراق، شارك بصفته ممثلاً لحركة السلام العراقية، في وفود إلى الاتحاد السوفييتي والصين وكوريا الشمالية.
نشر كوران في أغلب الصحف الكردية، التي صدرت منذ 1930 حتى مماته، وعمل محرراً لصحيفة جين «الحياة» والشفق والبيان في الخمسينات، وفي عام 1950 نشر له ديوانان بعنوان: «اللجنة والذاكرة» و«الدموع والفن» ودواوين عدة أخرى فيما بعد، ونشرت أعماله الكاملة لأول مرة عام 1978، وفي خريف 1960
اصبح كوران مدرساً للأدب الكردي والنقد الأدبي، في كلية الآداب في جامعة بغداد، وبقرار من الحزب الشيوعي العراقي أصبح محرراً في جريدة «آذادي» التي أصدرها الحزب حتى عام 1960.
يعتبر كوران، من ذلك النموذج من المبدعين، الذي استطاع أن يجمع بين امتلاك الأدوات الإبداعية، ومواكبة الأحداث السياسية والانخراط المباشر فيها، حيث اللغة الشعرية المتألقة، والقراءة الدقيقة للمشهد السياسي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 787