مهرجان «كان» 62: مفاجآت من العيار الثقيل
لطالما عودنا مهرجان كان السينمائي، بأن يكون مفجراً للمفاجآت الفنية الصادمة، ومكتشفاً لكل ما هو جديد أكثر من أي مهرجان سينمائي آخر. وهذا حصل مع المخرج الفرنسي غاسبار نويي حين أثار فيلمه «بلا رجعة» جدلاً كبيراً في كان 2002، كما حصل مع فيلم «غريزة أساسية» 1992 وبطلته شارون ستون. ولكن لهذا المهرجان في دورته الـ 62 وقْع خاص، فقد كان مفاجئاً جداً بأن يكون فيلم الافتتاح هو فيلم الرسوم المتحركة «إلى أعلى» لمخرجه الأمريكي بيتر دوكتر الذي اضطر المشاهدين للبس النظارات الثلاثية الأبعاد وهم يتابعونه.
ولم تقف المفآجات عند هذا الحد، بل جاءت التظاهرات المرافقة للمهرجان حافلة بالغرائب وبكل ما هو مثيرٌ للجدل، حتى أن بعضها شكّل صدمة للجمهور والنقاد.
فبعيداً عن المسابقة الرئيسية، عرض فيلمان اعتبرا من التحف السينمائية الكبيرة. الأول هو فيلم «أجورا» للمخرج الإسباني آليخاندرو أمينبار، الذي يتعرض لموضوع التعصب الديني، وتدور أحداثه في الإسكندرية حول شخصية «هيباتيا» العالمة الإغريقية التي أثارت سخط الكنيسة، بسبب نبوغها العلمي وتأثيرها الكبير على المجتمع رغم كونها يونانية «وثنية» رفضت الانصياع للتعاليم الجامدة للكنيسة في تلك الفترة من القرن الرابع الميلادي. وهيباتيا بالمناسبة هي إحدى الشخصيات الرئيسية في رواية «عزازيل» للكاتب المصري يوسف زيدان الفائزة بجائزة البوكر العربية لعام 2009. وهي التي ينتهي مصيرها في الرواية والواقع بالقتل حرقاً وهي مازالت حية على أيدي المتعصبين.
أما الفيلم الثاني الذي عرض ضمن تظاهرة نظرة خاصة فهو الفيلم الروسي «قيصر» للمخرج بافل لونجين الذي ينتقد التسلط السياسي واستعمال الدين لتبرير القمع من خلال شخصيتين: القيصر الروسي الشهير باسم إيفان الرهيب، ورئيس الكنيسة الارثوذكسية فيليب صديق طفولة القيصر الذي يطرح نفسه كامتداد لله، وينتقي من الدين ما يدعم سلطته، ويكفل لها أن تظل سلطة مطلقة استبدادية، وهنا يبدأ الصدام بينه وبين الأسقف فيليب الذي ينتهي بقتل الأسقف.
وعن استخدام الجنس ومشاهد العنف القاسية، فقد كان هذا الجانب وافر الحضور وتميز بجرأة المشاهد الإباحية وقسوة مشاهد العنف كفيلم «مهووسة جنسياً» لمخرجه التايلندي راتانا روانج، أو فيلم «دمية الجنس» للمخرج الياباني (هيروكادو كوريدا)، أو الفيلم الفلبيني العنيف جداً «شؤون عائلية» للمخرج (بريلانتي ميندوزا) الذي فاز بجائزة أحسن إخراج، وفيلم «الشرطة- صفة» للمخرج الروماني (كورنيلو بورومبيو) الذي حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
وقمة الصدمات، بل وفضيحة المهرجان كما رآها النقاد كان فيلم «نقيض المسيح» للمخرج الدنماركي لارس فون ترايير (راجع «قاسيون» عدد 406).
وقد سجل المهرجان حضوراً للأفلام التي تتناول المحظورات الاجتماعية والعقائدية، كالجنس وما يتصل به من قضايا، وهو ما تجلى بفلمين هما «عيونٌ مفتوحةٌ على اتساعها» للمخرج الإسرائيلي حاييم تاباكان، حيث يتناول موضوع المثلية الجنسية في البيئة اليهودية المتزمتة، في أحد أحياء مدينة القدس، وكان غريباً فوز الفيلم الثاني «سن الكلب» لمخرجه اليوناني إيورغوس لانثيموس الذي يتناول سِفاح العائلة الناشئ عن خوف الأهل المرضي على الأبناء من الاختلاط الخارجي، والذي شكل الفعل الجنسي المشاهد الرئيسية فيه، بجائزة أحسن فيلم في قسم نظرة خاصة.
ومن المفاجئ كان فوز المخرجة الفلسطينية شيرين دعبس بجائزة أفضل فيلم عرض في قسم نصف شهر المخرجين عن فيلمها الروائي الأول «أمريكا» الذي يتحدث عن أزمة التأقلم لعائلة فلسطينية هاجرت إلى أمريكا الناجمة عن تنامي مشاعر الكره للعرب بعد أحداث 11 أيلول.
لكن قمة مفاجآت المهرجان بل وذروتها تبدت في الجائزة الكبرى المسماة «السعفة الذهبية» التي حصرتها الترشيحات في أفلام هي: «الانتصار» للمخرج الايطالي ماركو بيللوكيو الذي يتحدث عن الابن غير الشرعي للزعيم الفاشي موسوليني. والفيلم العربي الوحيد في المسابقة ولأول مرة دون معادل إسرائيلي «الزمن المتبقي» للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان الذي لاقى استحسان الجمهور والنقاد، الذين ارجعوا التجاهل التام له في النتائج النهائية إلى رسالته السياسية التي تحمل إدانة للاحتلال الإسرائيلي. والمنافس الأول والمرشح الأوفر حظاً كانَ فيلم «نبي» للمخرج الفرنسي جاك اوديار الذي يتحدث عن مافيا السجون الفرنسية.
ولكن السعفة جاءت مخالفة لكل التوقعات، فقد ذهبت للمخرج النمساوي مايكل هانيكي عن فيلمه «الشريط الأبيض» المصور بالأبيض والأسود، والذي يتطرق لمساوئ أسلوب التربية الشديدة القمعي الذي كان سائدا في بداية القرن العشرين،والذي فاز سابقاً بجائزة أفضل إخراج في العام 2006عن فيلمه «عازفة البيانو» الذي تجدر الإشارة إلى أن بطلته التي فازت بجائرة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم هي الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبير رئيسة لجنة تحكيم المسابقة لهذا العام!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 407