الفعل الثقافي.. وإشكالية العلاقة مع الأحزاب السياسية
تعد إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة السياسية في بلادنا من أكثر الإشكاليات إثارة للجدل، ويفضي نقاش هذه المسألة في الغالب إلى تقسيم المثقفين إلى مثقفي معارضة ومثقفي سلطة، ولكن أليس هذا تقسيماً غير دقيق أو لنقل تقسيماً أحادي النظرة على الأقل.
إذا ما انطلقنا من تعريف «د.نصر حامد أبو زيد» للمثقف بأنه الإنسان المنخرط بطريقة أو بأخرى في عملية إنتاج الوعي، نجد أن هذا التقسيم للمثقفين يميز بين إنتاج وعي يخدم السلطة السياسية الحاكمة، وبين إنتاج وعي يعارض هذه السلطة، وبهذا نصل إلى معادلة تقول: إن الفرق بين مثقف وآخر يكمن في أن أحدهما يوظف كتلته المعرفية في خدمة حزب أو تيار سياسي يتربع على رأس السلطة، والآخر يوظف كتلته المعرفية في خدمة حزب يسعى إلى تغيير السلطة الحاكمة واستلام زمام الحكم في نهاية المطاف.
إلا أن الفعل الثقافي الحقيقي أو لنقل إنتاج الوعي هو فعل يهدف إلى التفسير والتقييم والبحث العلمي الجاد عن الحقيقة، وليس إلى تبرير وجود حزب في السلطة أو تبرير حركة حزب آخر في نشاطه المعارض لهذه السلطة.
إن هذا النوع من التقسيم الذي يميز المثقفين من خلال نظرتهم للسلطة الحاكمة هو تقسيم قاصر، لأنه لا يشمل كل المثقفين – هذا إذا افترضنا أن الداعم لسلطة حاكمة من نمط السلطات العربية يستحق لقب مثقف أصلاً – ذلك أن هناك فئة لا توظف كتلتها المعرفية إلا في خدمة البحث عن الحقيقة وفي سبيل إنتاج وعي يرفع سوية الأفراد والمجتمع، وبهذا يكون فعلها الثقافي موجهاَ لتغيير الأوضاع القائمة نحو الأفضل سواء أصبّ هذا الجهد مباشرة في خدمة تيار سياسي معين أم لا . كما إنه، إذا كان المثقفون الموالون يختلفون عن المثقفين المعارضين من زاوية الموقف من السلطة، فإن كلا النمطين يلتقيان معاً في تعليب الإنتاج الثقافي في قوالب حزبية وأيديولوجية ضيقة، وينتهي كلا الخطابين إلى تكريس مفهوم السلطة في الفكر والوعي والإبداع على حد تعبير "د.أبو زيد" .
وربما يفهم البعض من هذا الكلام أن المقصود هو وجوب فصل الفعل الثقافي عن السياسة، أو وجوب ابتعاد المثقف عن تبني وجهة نظر سياسية ما، إلا أن هذا الفهم غير صحيح لأنه ما من فكر إلا ويتضمن وجهة نظر سياسية في النهاية، سواء تم الإفصاح عنها أم لا . ولكن الفهم الصحيح لدور المثقف في عملية الحراك الاجتماعي بوجه عام، ومنه الحراك السياسي، ينطلق من إدراك أن إنتاج الوعي الحقيقي لا يكون إلا بالولاء للحقيقة التي يبحث عنها المثقف، وهنا يكون الخلاف في وجهات النظر حول الحقيقة ومنهج البحث عنها هو ميدان الجدل الفكري الحقيقي والمنتج . وبهذا فقط يصبح الفعل الثقافي رافعة للعمل السياسي الجاد ومطوراً لأداء الأحزاب السياسية ورافداً للأيديولوجية التي يتبناها حزب من الأحزاب سلطةً كان أم معارضة.
أما التخندق وراء عصبيات سياسية ضيقة وتكريس المعارف في خدمة حزب يسعى للوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها بحيث يتحول العمل السياسي إلى سجن للفكر وعائق أمام تطويره فأقل ما يقال فيه إنه يساهم في إنتاج وعي سلطوي يحمل بذور الدكتاتورية والإقصاء سواء ادعى أصحابه الديمقراطية أم لا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 407