ثائر ديب ثائر ديب

بين قوسين لعنة ماني

 ما إِنْ تقسم العالم فسطاطين إثنين علمانيين ودينيين متناقضين أبد الدهر، حتى تكونَ قد أنجزتَ واحدةً من "أكبر" المهام الفكرية وأغباها في آنٍ معاً: ثمة دراما زائفة تنطوي عليها هذه الثنائية تزيّن لك، بالوهم، أنَّ فكرك بالغ العمق والدقة والالتزام، وأنَّ صولاتك النقدية ضد المعسكر الذي اتّخذته خصماً -خاصةً إذا ما كان معسكر العلمانيين- لايضاهيها أيّ شيء فَتْكَاً وسَدَاداً وكشفاً لقرارة الأمور، حتى إنّها قد تدفعك إلى تكريس رواية كاملة تعتاش على تتبع غزوات المعسكرين وغاراتهم.

تتيح لك ثنائية العلمانية/الدين أن تُنْشِبَ صراعاً لا يخمد بين طرفين، كلٌّ منهما كتلة متراصّة لا تناقض فيها ولا صراع، مع أنّك تجمع في أولهما طغاةً وجنرالات و(ماركسيين) ومراهقين متمردين وفئاتٍ أَبْطَرَتْهَا الثروة وأحزاباً قومية شتى لم تصطبغ بعد بالصبغة الدينية...، وتجمع في ثانيهما أصوليات الأرض وجارنا المتديّن البسيط الذي لا يكاد يجد قوت أبنائه. وإذ تحار ببعضهم، ممن لا ينضوون في القالب، فإن تهماً أو مدائح، بحسب موقعك، من نوع الخروج والمروق والرِّدة، تكون جاهزةً لا مناص من استخدامها.

تُحِلُّ ثنائية العلمانية/الدين صراعاً فكرياً زائفاً محلّ الصراعات الفعلية. وتثير في الذهن تعريفاً للعلمانية تفوح منه رائحة الكفر والإلحاد، مع أنَّ العلمانية في جوهرها محاولةُ فَهْمٍ للعالم دون حاجة إلى إدراج أفعال القوى الخارجية الغيبية في قائمة المسببات والعلل، ومن غير إهمالٍ للشروط التي تتيح مثل هذا الإدراج وما يتركه من أثر أو يلعبه من دور. والتقاء بشر مختلفين على مثل هذه القناعة قد لا يعني الكثير في حقيقة الأمر، بخلاف ما تظن وتحسب.

واضحٌ، إذن، أنَّ ثنائية العلمانية/الدين تسهّل اعتبار الماركسيين مجرد علمانيين ديدنهم نقد السماء التي هي مصدر كلّ الشرور، مع أنَّ ذلك آخر همّهم. فبعكس ما تظن وتحسب، ليست الماركسية، بالمعنى الفلسفي العميق، ملحدةً. وكلمة "الإلحاد" السلبية المحضة لا محلَّ لها أو استخدام في الماركسية التي حسمت أمرها بصورة نهائية في أن تعيش وتفكر في عالم الواقع، عالم الأرض والحقّ والسياسة، بكلّ ما فيه من أَخْيِلَةٍ وتهويمات، وأن تجد الأسباب والعلل المحرّكة في تضادات وتناقضات من نوع آخر، تقوم على أسس مغايرة تماماً، وتجري في سياقات وأُطُرٍ مباينةٍ كلَّ المباينة.

ليست الماركسية بوصفها مجرد علمانية سوى كاريكاتور أو خصم من قشّ تسهل إصابته على أيّ كان، وليس عليك وحسب، أيها البطل. غير أنَّ الأمر، للأسف، أعقد من ذلك بكثير.

خُذْ، مثلاً: الماركسيون تقليديون، مثل المحافظين، لكنهم يتمسّكون بتقاليد تختلف عن تلك التي يتمسّك بها هؤلاء الأخيرون. وإلاّ، كيف كان لنا أن نقارن بين الإثنين؟!

تتيح لك ثنائية العلمانية/الدين أن تُنْشِبَ صراعاً لا يخمد بين طرفين، كلٌّ منهما كتلة متراصّة لا تناقض فيها ولا صراع، مع أنّك تجمع في أولهما طغاةً وجنرالات و(ماركسيين) ومراهقين متمردين وفئاتٍ أَبْطَرَتْهَا الثروة وأحزاباً قومية شتى لم تصطبغ بعد بالصبغة الدينية...، وتجمع في ثانيهما أصوليات الأرض وجارنا المتديّن البسيط الذي لا يكاد يجد قوت أبنائه. وإذ تحار ببعضهم، ممن لا ينضوون في القالب، فإن تهماً أو مدائح، بحسب موقعك، من نوع الخروج والمروق والرِّدة، تكون جاهزةً لا مناص من استخدامها.
تُحِلُّ ثنائية العلمانية/الدين صراعاً فكرياً زائفاً محلّ الصراعات الفعلية. وتثير في الذهن تعريفاً للعلمانية تفوح منه رائحة الكفر والإلحاد، مع أنَّ العلمانية في جوهرها محاولةُ فَهْمٍ للعالم دون حاجة إلى إدراج أفعال القوى الخارجية الغيبية في قائمة المسببات والعلل، ومن غير إهمالٍ للشروط التي تتيح مثل هذا الإدراج وما يتركه من أثر أو يلعبه من دور. والتقاء بشر مختلفين على مثل هذه القناعة قد لا يعني الكثير في حقيقة الأمر، بخلاف ما تظن وتحسب.
واضحٌ، إذن، أنَّ ثنائية العلمانية/الدين تسهّل اعتبار الماركسيين مجرد علمانيين ديدنهم نقد السماء التي هي مصدر كلّ الشرور، مع أنَّ ذلك آخر همّهم. فبعكس ما تظن وتحسب، ليست الماركسية، بالمعنى الفلسفي العميق، ملحدةً. وكلمة "الإلحاد" السلبية المحضة لا محلَّ لها أو استخدام في الماركسية التي حسمت أمرها بصورة نهائية في أن تعيش وتفكر في عالم الواقع، عالم الأرض والحقّ والسياسة، بكلّ ما فيه من أَخْيِلَةٍ وتهويمات، وأن تجد الأسباب والعلل المحرّكة في تضادات وتناقضات من نوع آخر، تقوم على أسس مغايرة تماماً، وتجري في سياقات وأُطُرٍ مباينةٍ كلَّ المباينة.
ليست الماركسية بوصفها مجرد علمانية سوى كاريكاتور أو خصم من قشّ تسهل إصابته على أيّ كان، وليس عليك وحسب، أيها البطل. غير أنَّ الأمر، للأسف، أعقد من ذلك بكثير.
خُذْ، مثلاً: الماركسيون تقليديون، مثل المحافظين، لكنهم يتمسّكون بتقاليد تختلف عن تلك التي يتمسّك بها هؤلاء الأخيرون. وإلاّ، كيف كان لنا أن نقارن بين الإثنين؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
409