عرفنا زياد نتيجة جهلنا... فهل لهذا السبب جهلنا عازرية؟؟
كان تواصل الموسيقار السوري عابد عازرية مع الجمهور المحلي بسيطاً إلى درجة كبيرة في سنوات سابقة إلا أن هذا التواصل تعزز في المرحلة الأخيرة خصوصاً بعد إقامته لحفلة موسيقية غنائية ضمن برنامج احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، وهذا التواصل تجدد مؤخراً بعد تقديمه رؤية موسيقية لإنجيل يوحنا، وأيضاً من خلال الحوارات والمقالات التي تناولته في الصحافة.
ومن خلال الزيارات المتكررة لعازرية إلى سورية استطاع أن يأخذ وجهة نظر عامة عن شخصية المستمع السوري وأن يعرف اتجاه الجمهور ونوعية الموسيقا التي يحبها والأصوات التي يسمعها، وفي محاولة لا بد منها لإثبات الحضور والفاعلية في الوسط المحلي قدم عازرية آراءه ومواقفه في محاولة للتأثير وتقديم نموذجه الفني الذي لا نلغيه ولا نقوّضه وإنما نترك للجمهور حق الحكم عليه مع عدم ثقة عازرية بالمستمع المحلي على اعتبار أنه لا يعرف بالموسيقا.
تصريحات عازرية الأخيرة بدأت تتخبط بشكل غوغائي محاولة تقويض الهالة لبعض الأسماء الفنية وجذب الجمهور إليه بعيداً عنها فعندما أثبت الموسيقار اللبناني زياد الرحباني جماهيرية واسعة النطاق والتي تجسدت بشكل جلي من خلال حفلاته في الصيف الماضي توجه عازرية نحوه ونحو نموذجه الفني ليشير للجمهور إلى لفت النظر إلى نماذج موسيقية أخرى، فزياد ليس خارقاً برؤية عابد، ومن وجهة نظر هذه يبدو ذلك منطقياً فلا زياد ولا عازرية ولا غيرهما يصل إلى هذه الصفة التي تبدو بعيدة عن نسبها إلى أشخاص، إلا أن رؤية عازرية لم تتناول هذا الجانب إلا أنها تمحورت حول فكرة أن الجمهور جاهل موسيقياً لذا أحب زياد. وفي هذا رؤية سطحية وحكم سريع بالجهل وعدم المعرفة، بل وطلب غير منطقي، وهو أن الجمهور يجب أن يدرس الموسيقا كي يحدد ذوقه، وهنا لا بد من أن نقول بأن هنالك بعضاً من جمهور زياد وغيره تنقاد وراء الدارج أو الجماهيري وربما تهرب من خلال زياد وغيره من النماذج التجارية السائدة، ولكن هذا لا يبرر وصف الجمهور بعدم المعرفة الموسيقة والوقوف في منبر المعلم والمنظر على الملايين، فمحاولة خلق ذائقة أو اتجاه جماهيري عام لا يمكن لشخص أن يقوم بها ولا يمكن لفنان أن يصف العقار الصحيح لجمهور مريض موسيقياً إذا افترضنا ذلك.
ولم تسلم أهم التجارب الفنية العربية من تصريحات عازرية بين الرحابنة وفيروز وأم كلثوم وغيره محترماً تجاربهم إلى حد ما ولكن غير راضٍ عن سيطرتهم الجماهيرية.
ربما تكون رؤية عازرية وليدة النخبوية الفنية التي يجد نفسه بعيداً عنها على الرغم من أن ما يقدمه يبدو قريباً منها جداً، فهو يقول بأنه يحاول أن يجعل النص الصوفي قريباً من الشعب من خلال موسيقاه وهي مهمة صعبة جداً خاصة وأن الفن الصوفي هو بعيد عضوياً عن الجماهيرية في الفترة الحالية، وإذا اعترفنا بما قاله عازرية بأن الجمهور السوري لا يفهم الموسيقا فكيف لهذا الجمهور الجاهل أن يفهم النص الصوفي لأدونيس أو الحلاج أو أنسي الحاج ضمن صيغة موسيقية صوفية... فهو جاهل أصلاً!!
ملايين تنقاد خلف زياد الرحباني وآلاف تعي فنه وعياً عميقاً، فإذا اعترفنا بأن جهل الجمهور العربي رسم زياد بهذه الصورة وأعطاه هذه الجماهيرية، فهل هذا الجهل أيضاً مسؤول عن اعتبار عازرية مجهولاً لدى الأغلبية، لا ضير إذا من أن ينقذ عازرية هذا الجمهور من عدم معرفته الموسيقية وليوجهه إلى الاتجاه الموسيقي القويم، وليجعل زيادة ظاهرة عادية مقابل ظواهر فنية خارقة جديدة أو قديمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 412