فنجان قهوة في عصر التحولات.. بديل للشعر موت الشعر أم موت الشعراء
يصر البعض على التشابه القائم بين الشعراء والدينصورات. فكلا الفريقين انقرض. ولأسباب غامضة -وما تزال- في كلتا الحالتين. وفي هذه الأزمنة حيث يمكن الحديث عن كل شيء، دون وجود ضرورة لأي شيء- عن موت أي شيء. يتحدث البعض . يتحدث البعض عن موت الشعر. كموت الأيديولوجيا والمؤلف، والتاريخ وجارنا الذي لم يستطع أن يكمل مائة عام من عمره .
وأعتقد أن هذا بهدف إعطاء مسميات للقتلى وحسب. يساوي تكفينهم وإلقاءهم خارجاً في مكان محدد، البقرة . بحيث يكمن الخلاص فيهم، والبقاء قربهم.
لكن هل يمكن أن يكون الشعر قد مات هنا، هنا على هذه الأرض؟!
لا شك أن هذه ستكون كارثة وخيبة عالية المستوى… في الحقيقة على كل المستويات. فما الذي كان لنا غير الشعر، ما الذي كان لنا غير الشعر، ما الذي في تاريخنا غيره، بل وتاريخنا هذا ذاته أين يختبئ؟
ألا يختبئ محفوظاً في القصائد، مستوراً بأبيات شعر جدية أو رديئة، لا فرق ، هذا لا يمكن .. لا يمكن أن يموت الشعر هنا، على الأقل لو مات لكنا سمعنا زفراته الأخيرة وهو يسلم الروح.
كنا قرأنا أوراق نعوته على جدران الأبنية مثلاً، أو سمعنا الخبر الذي سيكون مهماً -دون شك - في نشرة أخبار المساء. ولكن هؤلاء الذين يصرون على أن الشعر قد توفي فعلاً، يقولون أننا لم نسمع شيئاً من هذا بسب الضجيج.
يربتون على أكتافنا المتهدلة: لا تحزنوا، الضجيج والسرعة، لم يمنعوا من الانتباه إلى هذا (الخبر).ونصر على أنه لا يمكن ذلك أن الشعر في جوهره أدبنا، هويتنا خصوصيتنا، أليست كل هذه مقدسات؟
من يقول أن الشعر مات؟! هناك ولا شك تحولات، وتبدلات، في هيئة الشاعر ولغة القصيدة وجماليات التلقي. هناك -لأكون صريحاً- تحول طفيف هادئ، ناعم وحسب.
ذلك أن الشعر كان وما زال، كائناً مرناً متحولاً. يستمر بقدرته على أن يحمل تحولات الجماعة في تحولاته.أن يكون صوت الجماعة العميق منكشفاً في ذات واحدة. يبلور أوهامها وأحلامها ورؤاها في اللغة، ويفتتنها.
ولهذا يقف الشاعر - كان يقف- في قاعة كبيرة ويسمعه الجميع، لوقت طويل، كي يكتشفوا أنفسهم. كي يعرفوا جديدهم في جديده.
قبل فترة ظهر على شاشة قناة عربية، رأيت للمرة الألف أو أكثر- وأريد أن أخبركم هذا السر- الشعر الجديد، مع الشاعر الجديد وجماهيره الجديدة. مختزلاً ومختصراً ومكثفاً في دعاية صغيرة ، ستكرر، وتكررإلى ما لا نهاية، دعاية برنامج.. شديد النجاح. يقف الشاب في عربة عابراً حول الملعب المليء عن آخره بالجماهير، التي تنتظر أن يصرخ هذا الشاب: 23 ثانية. فتجيبه الجماهير بهياج لا يمكن أن يصدر إلاّ عن الجماهير: إلك .
لا شك أن هذه الكلمات تعبر عن كل هذه الأعداد الهائلة، عن روح هذه الجماعة المهمومة فوق المدرجات.؟!
أنتم لا تريدون أن تصدقوا، لكن هذه الكلمات: 25 ثانية … إلك.. مع حركة اليدين تلك هي بحد ذاتها قصيدة جديدة .. قد تكون تتمتها وثانية للريح.
تابعوا تحولات الشعر. الذي لا يموت أبداً. في هذه الأزمنة، حيث تتكاثر أسماء القتلى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 169