في الذكرى المئوية لرحيل رائد القصة القصيرة: تشيخوف مازال يكتب:«بؤس الآخرين»

بمناسبة مرور مئة عام على وفاته، يكٌرم هذا العام الأديب انطوان تشيخوف في روسيا والعالم أجمع....

وتشيخوف من أبرز الكتّاب المشهورين الذين جرى العمل على أدق تفاصيل حياتهم ونتاجاتهم.. ومع ذلك ما زالت له العديد من المجموعات القصصية القصيرة، وعددها 38 قصة، مجهولة في العالم وغير منشورة، مع أنها نشرت في نسخة وحيدة وبالروسية في بداياته الأدبية ولم تتم ترجمتها إلى أي لغة أخرى مما جعلها شبه منسية ومهملة....

وبمناسبة مئوية ولادته، راح الباحثون يفتشون عن كل جديد في حياته.. وكانت صدمة كبيرة يوم تمّ العثور على هذه المجموعة لجماليتها وأهميتها في وصف المجتمع الروسي بأجمل ما يمكن بقلم تشيخوف المراقب والحساس والشديد الواقعية. نقلت هذه المجموعة الى الفرنسية وصدرت عن دار «غاليمار» في باريس، ومن المتوقع أن يتم نقلها إلى لغات أخرى في المستقبل القريب.

«بؤس الآخرين» هو عنوان المجموعة المنقولة عن الروسية بعد 649 قصة قصيرة ترجمت إلى أبرز لغات العالم في القرن الماضي. وكان من المتوقع أن يكون هذا هو العدد النهائي لقصص تشيخوف القصيرة التي تستحوذ على اهتمام القراء لكن القصص الجديدة غيّرت المعادلة، الى جانب كتاباته المسرحية العديدة التي شغلت المسارح في العالم.

وفي المجموعة الجديدة «بؤس الآخرين» نعثر من جديد على تشيخوف المحب لروح النكتة والسوداوي في آن، تشيخوف المحب بالمطلق والبعيد عن تفاصيل مجتمعه في حياته اليومية.

ولكي يكتب تشيخوف، لا حاجة له لأن يخترع شيئاً، فكل شيء جاهز وواضح أمامه، وما عليه إلا سوى المراقبة والكتابة. وكأن ريشة تشيخوف ترسم صورة المجتمع الروسي بأدق تفاصيله ومشاهداته، ولكنه يحافظ دوماً على نظرية يطبقها في مؤلفاته وفي رصده للشخصيات: «لكل وجود إنساني أو لكل شخصية سرّها الغامض وما على الكتاب النظر إلاّ في كيفية ولوج هذا السرّ». والأمر يبدو أكثر تعقيداً مع شخصياته الأنثوية حيث إنه اعتبر المرأة لغزاً صعباً بل مستحيلاً، مع هذا وصفها بأجمل الصفات: «ليس من قصة ناجحة أو جميلة إلا إذا وجدت فيها النساء، فهي تبدو مثل آلة من دون محرّك».

وفي «بؤس الآخرين» نلتقي نساء من كل الأعمار، نساء لا يعرفن السعادة، جميلات، ضعيفات، شريرات، أحياناً يلعبن أدواراً شريرة وأحياناً يصدمن القارئ بتصرفات مُشينة. وحتى في حياته، لم يعرف تشيخوف الشغف الكبير بالمرأة، فكان يتقن فن الهروب حين يجد نفسه متعلقاً بإحداهن: بعيداً عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لا طعم لها ولا لون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.

ومع أنه كانت العادة أن تُختم القصص بنهايات ثابتة وأكيدة فإن تشيخوف أرادها دائماً مشوشة ومفتوحة على المجهول، وغالباً ما أتت الجمل الأخيرة في قصصه تحمل الشك وأيضاً الحلم والخيال والأمل....

ترجمت الكثير من أعماله الى العربية، ونقلت الى المسرح والتلفزيون....

تشيخوف في سطور

 ■ ولد انطوان بافلوفيتش تشيخوف في سنة 1860 في بلدة تاجانروج الفقيرة الواقعة على بعد 600 ميل جنوب العاصمة الروسية موسكو لأسرة يعمل افرادها في خدمة الطبقة الاقطاعية (الجد) وعلى الرغم من ان جده كان قد نجح في تحرير باقي افراد اسرته من القنانة الشيء الذي جعل والده يمتهن البقالة فيما بعد الا ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي عاشها في طفولته كانت قد ولّدت لدى تشيخوف نوعا من التحدي قاده اخيرا الى النجاح بالاستعانة بما كان يسميه العمل، العمل، العمل طالما ان احدا لن يمد لك يد العون والمساعدة. ومن اشهر ما قاله انه كان قد اكتسب موهبته في الكتابة من امه. فرغم ان( ايفجينيا تشيخوف) كانت امرأة من بين الكثيرات من نساء بلدة تاجانروج اللاتي لم يحصلن على قدر كاف من التعليم الا انها كانت تميل الى رواية القصة كما يقول تشيخوف. 

■ كما يؤكد النقاد انه كان قد استوحى قصة) السهب) من ذاكرة امه، والمعروف انه كان قد نشأ نشأة دينية متميزة في صغره ودرس في المدرسة الاغريقية ومدرسة النحو في بلدته وفي سن السادسة عشرة كان تشيخوف قد اصبح العائل الاساسي لأسرته التي اخذت تعاني من ظروف مالية قاسية بسبب افلاس والده واضطرار الاسرة الى الهجرة الى موسكو ومع هذه المعاناة كانت ذكريات مثل تعرضه للاضهاد على يد مستخدميه وتعرض والدته للاهانة والضرب على يد والده قد وجدت صداها القوي في نفسه وهو ما تجسده على نحو واضح مقولته الشهيرة ) لا شيء يمر بسهولة، ان الخطوة الصغيرة التي نتخذها في حياتنا تؤثر بقوة على مصيرنا في الحاضر والمستقبل).

 أما ذلك الاضطهاد الذي عانى منه جده حتى اضطر الى شراء حريته فهو ما يعبر عنه بقول (أي اعصاب نملك وأي دم هذا الذي ورثناه؟).

■ كانت اعراض مرض السل قد ظهرت عليه وهو في سن الرابعة والعشرين. في سنة 1879التحق تشيخوف بكلية الطب التابعة لجامعة موسكو وخلال تلك المرحلة بدأ بنشر عدد من القصص القصيرة في صحيفة (سانت بطرس بيرج) ليذيع صيته ككاتب معروف في سنة 1886. وبعد تخرجه عمل في مهنة الطب حتى سنة 1892.

■ في سنة 1890سافر تشيخوف الى جزيرة سخالين وأتاحت له تلك الرحلة فرصة كبيرة للوقوف على معاناة اهالي الجزيرة التي تمكن من نقلها بتفاصيلها المحسوسة الى العالم الخارجي الى ابعد الحدود (الجزيرة: رحلة الى سخالين) وكان قد عاد من رحلته عبر سنغافورة والهند وسيلان وقناة السويس. ولم يتحول الى كاتب متفرغ الا في سنة 1886ليحصل بعدها بسنتين على جائزة بوشكين في الأدب. 

 

■ على الرغم من ارتباط اسم تشيخوف بالقصة القصيرة الا ان شهرته الحالية تقوم الآن على ما قدمته في مجال الكتابة المسرحية، فبعد مراجعة ستانسلافسكي لمسرحية (النورس) في سنة 1898لقيت اعماله الاخرى ترحيبا حارا من قبل جماهير النقاد والمتفرجين وتأتي مسرحيات )العم فانيا (1900التي تعبر عن مأساة سونيا والعم فاينا الذين تذهب احلامهما وهما يعملان للآخرين في مقدمة هذه الأعمال المهمة بالاضافة الى الاخوات الثلاث التي تجسد مأساة الاخوات اللاتي يكتشفن تفاهة الحياة التي يعشنها فيعمدن الى مواساة بعضهن) يمكن مقارنة هذه القصة بقصة الاخوات برونتي (وفي هذه الاعمال المسرحية ينجح تشيخوف في المزج بين السخرية والفكاهة والتراجيديا تاركا مساحة كبيرة للخيال وللحركة الدرامية لكي تقهر بما يرمز اليه بقوة الاحتمال لدى شخصياتخ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
227