أوراق خريفية.. «مقبرة جماعية.. مرتقبة»

منذ أيام، اشتقت لصديق حميم يعمل بمؤسسة الإسكان العسكرية، واتصلت معه

هاتفياً بغية الاتفاق على سهرة عائلية. إلا أنه اشترط عليّ إحضار بطيخة وأوقية قهوة وما تيسّر من مستلزمات السهرة... وعند استيضاحي عن السبب، كون هذا الشرط يتعارض وتقاليد الضيافة في الشرق عموماً.. أخبرني أنه لم يقبض راتبه منذ أكثر من أربعة أشهر...!

ألا يكفي هذا المقطع لنشر المقال أدناه والذي بعثته لكم منذ أكثر من عام؟.

«مقبرة جماعية.. مرتقبة»

منذ مدة، لوحظ انهماك آليات مؤسسة الإسكان العسكرية باللاذقية، بحفريات.

ذات أبعاد هندسية منتظمة. طول كل حفرة منها مثل عمقها متران، وعرضها متر.

وذلك على رابية شرق المدينة. وقد تم إنجاز ما ينوف عن الألفي حفرة... تبعد الواحدة عن الأخرى نصف متر. وهذه الحفر منسجمة تماماً، من حيث توزّعها واتجاهاتها ومراعاتها للطقوس والشعائر الدينية.. وهذا ليس غريباً على مؤسستنا التي أثبتت كفاءتها وقدرتها ودأبها على حلّ كبرى المعضلات التي اعترضت مسيرتها المجيدة .

لقد أدركت إدارة المؤسسة بحدسها وقرون استشعارها، أن ثمة ضحايا كثر سوف تتساقط تباعاً وبأعداد غفيرة قريباً.. بعد أن مضى خمسة أشهر على آخر راتب تقاضاه عمال الإسكان.

 وقد أجمعت تقارير الأرصاد الطبية، أن قدرة الإنسان على تحمّل الجوع لا تتعدّى الستين يوماً..

 سيضطر بعدها إلى إجراء عملية استئصال خيوط العنكبوت المتيبّسة على سوءته.

وسوف تهرّ أسنانه بسبب عدم الاستخدام، مما يؤدي تدريجياً إلى الموت السريري. 

وصولاً إلى التحليق نحو الباري عزّ وجلّ.

 وهذا طبعاً يجعلنا نفتخر ونبادر إلى سجلات غينيس للأرقام القياسية لتسجيل

هذا السبق؛ من أن بعض عمال وطننا العظيم حققوا رقماً قياسياً في الامتناع عن قبض رواتبهم طيلة الأشهر الماضية، رغم استجداء إدارتهم لهم.. مما حدا بهذه الأخيرة إلى التفكير بمنتهى الحكمة والعقلانية بما ستؤول إليه حال عمالنا، فهرعت للقيام بالتحضيرات المتعلقة بالدفن.

وكلفت ورشة النجارة بتجهيز التوابيت.. وورشة الخياطة بحياكة الأكفان.. ومديرية التخطيط والدراسات بتصميم المقبرة والشواهد.. ومديرية الآليات بحفر القبور.. ومديرية الإنتاج بتأمين البلوك والشطايح.. وقد كان من المقرر أن تبدأ مراسم الاحتفال المهيب بتدشين هذا الصرح الكبير في الأول من أيار لهذا العام.

 إلاّ أنه ولأسباب بروتوكولية محضة، تم تأجيل الاحتفال إلى موعد لاحق، ستحدده الإدارة قريباً. ومن المرجح أن يكون عقب سقوط أول ضحية.

■ ضيا اسكندر - اللاذقية

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
226