يعاد عرضه الآن بتقنية «ثلاثي الأبعاد» الرأسمالية تمتصّ فيلم «تايتانيك» حتى الرمق الأخير
أن تتحدث عن فيلم «تايتانيك» بعد 15 سنة من عرضه الأول، كأنك تنتبه للتو أن حرب الخليج وقعت!.. هذا ليس صحيحاً على كل حال. أحد الأصدقاء وفي سنة 2009م، أي بعد 12 سنة من عرض فيلم «تايتانيك» كان طالباً في أستراليا، وحين أسر لأحد أصدقائه الأجانب بأنه لم يشاهد فيلم تايتانيك بعد، وقف صاحبه في الباص بشكل مسرحي، ثم رفع صوته قائلاً «هل تصدقون يا جماعة أن هذا الرجل لم يشاهد فيلم تايتانيك بعد»!. بعد أيام قام صاحبي بمشاهدة الفيلم، ثم جاء مبشراً صديقه، الذي وقف أيضاً في الباص مرة أخرى ورفع صوته قائلاً «هل تصدقون أن هذا الرجل لم يشاهد فيلم تايتانيك إلا البارحة!».
نعم، بعض الأعمال تتحول إلى أيقونات، لما تمثله من ناحية المضمون، والقالب الذي صيغ به، ولا ننسى طريقة التسويق أيضاً، وربما الحظ!. أفلام مثل العرّاب، وتايتانيك، وآفتار، نماذج لتلك الأفلام الخالدة التي لا يجوز تجاهلها.
«تايتانيك» الذي عرض لأول مرة سنة 1997م وحقق إيرادات مليونية اعتبرت الأضخم حينها، وصور بتقنية عالية بحسب مقاييس زمانه، يعاد عرضه منذ فترة –وما زال– من خلال التقنية ثلاثية الأبعاد «3d» في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ليس الفيلم الأول الذي يعاد عرضه، ولن يكون الأخير، ما دامت التجربة تحظى بمشاهدين وتحقق إيرادات مجزية.
من هنا فالحديث عن «تايتانيك» ممكن، ككل الأعمال الإبداعية التي لا تموت، ولا ينقضي زمانها، بل تتجدد، وإن تجددت هذه المرة بغرض رأسمالي بحت «تحقيق إيرادات مجزية».
تايتانيك ليس مجرد قصة رومانسية ساذجة، أو فيلم صور بتقنية عالية 1997 ويعاد عرضه في 2012م بتقنية «3d» فارهة أيضاً، بل هو تصوير مميز لتلك اللحظة الإنسانية الغريبة، بين الحياة والموت، بكل ما تحمله من شجاعة وخوف، رهبة وطمع، حيث صورت المعقول وغير المعقول، تحت شعار أن لحظة «غرق السفينة» لحظة التأرجح بين الموت والحياة، هي إظهار لكل غرائز الإنسان، البشع منها، والسامي. حتى تتجسد ذروة العدمية لدى أحد الحراس والذي قتل مسافراً (حتى لا يركب في أحد القوارب) ثم عندما انتبه لعبثية سلوكه قتل نفسه.
تايتانيك ليس مجرد حكاية رومانسية عن روز وجاك، بل إعادة عرضه فرصة مناسبة للحديث عن مفارقة الرأسمالية الكبرى.
الفيلم الذي يصور ذروة التمايز بين الفقراء والأغنياء، التمايز لحظة الموت «الأغنياء يركبون القوارب بينما الفقراء يتركون لمصيرهم بل تغلق عليهم الأبواب داخل السفينة الغارقة كالحيوانات كما قال أحدهم!», إلا أنه مع كل هذا التصوير لبشاعة الرأسمالية، إلا أن الفيلم وعلامة «تايتانيك» أيقونة رأسمالية بامتياز، حد إعادة عرضه بعد 15 سنة بتقنية «3d» لحصد أرباح جديدة إتكاء على سمعة الفيلم التي عمّت الأرجاء قبل عقد ونيف.
هذه المفارقة توازي مفارقة طباعة صورة جيفارا على الملابس والسيارات، أي تسويق جيفارا كرمز رأسمالي -كما قال أحدهم– رغم كل ما يعنيه جيفارا لليسار بل الشيوعية تحديداً!.. لذا يضعون صوره على منتجات رأسمالية ولا أحد يعرف من هذا الرجل الملتحي وماذا يعني تحديداً.
تلك المفارقة ليست فقط على نطاق الرأسمالية، والتكسب من كل شيء حتى ما يشوهها أو أعدائها، بل تأتي تلك المفارقة متوازية مع عدم الوعي بها.. والأرباح تستمر.
عندما يأتي اليوم الذي يعرض فيه فيلم مذهل كفيلم «العرّاب» لبراندو وآل باتشينو أو فيلم «سائق التاكسي» لروبيرت دينيرو، ستصبح الاستفادة من هذه الأفلام «مالياً» قد وصلت لأقصى درجة!.. فهي عرضت ونجحت في وقتها، ثم تم بيعها كأشرطة على مدى عقود ثم بيعت كأقراص ضوئية، ثم يعاد عرضها في السينما من جديد لجيل سمع عنها، سمع عن أفلام مذهلة ألهبت المشاهدين قبل عقود من ولادته على الأرجح، فيريد مشاهدتها، وآخر عجوز ربما يريد أن يعيد ذكريات تلك اللحظة من جديد. هي سلعة ناجحة تماماً، ولا يمكن أن تخسر، أن تتكئ على نجاح قديم لتكسب من جديد, وهذا ما فعله «تايتانيك».