الواقع الثقافي في دير الزور: ماضياً وحاضراً:      تصحر ثقافي يمتد إلى الفرات

يعتبر تاريخ دير الزور الثقافي حتى نهاية العشرينات من القرن المنصرم مجهولاً بالنسبة لنا، ولم تتناول الكثير من الأقلام الكتابة عن هذه الفترة، وما تسرب لنا من هذه الفترة تاريخياً، هو وجود العديد من الهيئات الاجتماعية ونواد وأحزاب سياسية لعبت دوراً ثقافياً كبيراً إلى جانب الدور الوظيفي الأساسي الذي قامت من أجله.

وإن نحن قمنا بمقارنة بسيطة بين السنين السابقة  ثقافياً،  بشح الأخبار والتوثيق الذي تناولها،  وإفرازاتها التي تبلورت بالسنين  التي تلتها، والخارطة الثقافية في دير الزور الآن، فإننا سنلاحظ تأخراً  كبيراً للثقافة وللدور الذي تلعبه في دير الزور فما بعد العشرينات بدأت دير الزور تطور مكاسبها  في المجال الثقافي، من دور سينما ومركز ثقافي ومحال لبيع الكتب ، إلا أن هذه المكاسب بدأت تضمحل مع مرور الزمن إلى أن أصبحت تشكل عبئاً لا أداة لتطوير الثقافة، مع غياب كل الأشكال السابقة التي تحدثنا عنها سابقاً من أندية وهيئات والتي لعبت دوراً ثقافياً فيما سبق.

مراكز ثقافية تبحث عن نفسها:

محل الأشكال الثقافية القديمة التي عرفتها دير الزور حلت المراكز الثقافية الجديدة، كبديل تتم السيطرة عليه، بدأت الآمال والطموحات حول هذه المراكز كبيرة. إلاّ أنها سرعان ما تراجعت فكان من المفترض أن تعد هذه المراكز 14 مركزاً كما هو موجود على الورق إلاّ أن الحقيقة هو أن هناك مركزين ثقافيين يصلحان للعمل، ولم يستمر دورهما وقتاً طويلاً، وحالياً لا توجد الإمكانيات المادية الحقيقية ليعملا بكامل جهوزيتهما، مع اعتقاد سائد أنه إن توفرت الظروف المناسبة فلن يتغير أي شيء.. هناك بعض الأشخاص الذين يحاولون أن يعملوا ويغيروا في الوضع، إلاّ أن الكثير من العقبات تقف في طريقهم ومن الصعب أن تذلل.. أجاب الأستاذ زبير سلطان بتفاؤل حول أسئلتنا عن الواقع الثقافي للمحافظة، مع أن حديثه عن العقبات التي تقف في وجه الثقافة لم يتكامل مع هذا التفاؤل. هذه العقبات التي تبدأبالعامل المادي وصعوبة الحياة، بالإضافة إلى غياب دور المنظمات الشعبية، واختباء الإنسان في هذه المنطقة وراء تقاليد وثقافة القبلية، دون أن يعمل على تطوير آلية يمكن أن تنتج ثقافة جديدة من هذه التقاليد، بل نتمترس وراءها كمقدس.. لتبرز ظواهر كثيرة أثرت على دور الثقافة، كما كان لتغييب دور المرأة والعودة بها إلى أيام ما قبل الجاهلية.. دور في تراجع جانب ثقافي كبير.

الإعلام الذي كان يوماً ما حاضراً

استطاعت الصحافة في ما مضى بدير الزور أن تلعب دوراً بارزاً،  خاصة في تشكيل الرأي العام وتعبئته ضد الانتداب، وشكلت فيما بعد وسيلة لنشر الوعي والثقافة، وعمل في هذا المجال عدد كبير من الشباب الوطني والمثقف، الذي شكل أسماءً هامة في عالم الصحافة السورية لاحقاً..كما تم إصدار جريدة ومجلة في دير الزور، لعبت دوراً كبيراً في تلك المرحلة، كما قام ابراهيم لجي بفتح مكتب صحفي كان له وقعه وأثره.. أما الآن وبعد وقت طويل من الفراغ في هذا المجال، افتتحت في دير الزور جريدة جديدة، تدخل ضمن نفس التركيبة للإعلام السوري.

مقاعد للفراغ

وكانت المسارح ودور السينما من أبرز المتضررين من تراجع حركة الثقافة في دير الزور. فبالرغم من وجود صالة للمركز الثقافي وهي الصالة الوحيدة في دير الزور، والتي تخدم أغراض عدة من المهرجانات الخطابية، والمناسبات الرسمية، وبعض العروض الزائرة، فإن حركة المسرح لم تتراجع بل أنها غير موجودة بشكل حقيقي وملموس، بالرغم من أن دير الزور حاولت قبل وجود هذا المسرح بزمن، فكان لها روادها الذين حاولوا أن يخلقوا خصوصية للمنطقة، ليؤسسوا لهذا النوع الفني، فطرقوا كافة الأبواب، وبمبادرات فردية استطاعوا أن يحققوا الكثير.. 

وإلى جانب المسرح تقف السينما، ففي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كان في دير الزور ثماني دور للسينما، أما حالياً فهناك داران للسينما فقط وهذا أمر ليس مستغرباً، حين نعلم أن دور السينما في دمشق لا تزيد عن دور السينما في دير الزور في الثمانينات.. وباتت دارا السينما الوحيدتان في دير الزور بلاءً حقيقياً ومرتعاً للمراهقين والعاطلين عن العمل، مع أفلام لا تحمل أي بعد ثقافي. يقول الأستاذ محمود أبو أسامة، وهو مهتم ومتابع للسينما أن السينما أصبحت الآن أداة لتخريب النشىء الجديد، وتتحمل المؤسسة العامة للسينما المسؤولية لتراجع دور السينما في القطر ككل لا في دير الزور فحسب، وذلك بسبب نوعية الأفلام المستوردة، هذا إن استقدمت إلى دير البزور أفلام مستودرة فمعظم ما يعرض من أفلام هذه الأيام لا يزال يعتمد على مخزوننا من الخمسينات والستينات من الأفلام المصرية والسورية القديمة والتي تحمل نفس المفاهيم. بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على صناعة السينما من قبل هذه المؤسسة.

الكتاب إلى غياب

يذكر جيل الأربعينات الكثير من المكتبات، التي كانوا يرتادونها، والتي كانت أكثر من مكتبات بل كانت دوراً للثقافة، ومن هذه المكتبات مكتبة حمود الجراد، والتي لعبت دوراً ثقافياً هاماً. فبالرغم من الضائقة المادية والظروف القاسية التي تعيشها المحافظة فقد ساهمت المكتبات بأن تجعل الكتاب مرافقاً لرغيف الخبز، عن طريق تاجير الكتب بكل الأجناس والأنواع أو تقسيطها تقسيطاً مريحاً،  وكان الكثير من الأشخاص يرتادون هذه المكتبات لتشكل فضاءً ثقافياً حقيقياً.. أما الآن فلم يعد هناك إلاّ مكتبة واحدة يمكننا أن نطلق عليها هذا الاسم، وصاحبها يحاول إغلاقها أو قلبها إلى مقهى شعبي بسبب الضائقة المادية التي يعانيها، وهذا ما تحدث عنه الأستاذ إبراهيم خريط في ندوة ثقافية عن ثقافة الفرات فقال: المشكلة لا تكمن في الكتاب أو الموضوع ولا الثمن بل بالجانب النفسي لمشكلة الثقافة في المجتمعات النامية. في هذه المجتمعات يتم التعامل مع القضايا الحياتية من خلال دافع المنفعة فقط.. وهذا يؤدي إلى تأخير دور الثقافة لارتباط الثقافة بالناحية النفعية المباشرة، الكسب المباشر دون بعد نظر بالدور الهام للثقافة مع مرور الزمن.

الآداب

يعاني المشهد الثقافي عموماً كثيراً من المشاكل، ويتحدث الكثير من العاملين في الحقل الثقافي عن هذه المشاكل والتي تتمثل في خصوصية المرحلة وطبيعتها.. فكانت المرحلة التي عاشت فيها الأجيال الأولى من الكتاب أثرى وأكثر خصوبة، ولقد لخص ذلك الدكتور عبد العزيز الهايس قائلاً: الأزمة أزمة عامة انحسار ثقافي واضح المعالم لصالح الاستهلاك.. وهو ما يوافقه الكثير ممن شملهم التحقيق.. لكن هذه الأزمة تتضخم بشكل أكبر في دير زور التي تعيش حالة من البعد مع أننا نعيش في ما يسمونه القرية الكبيرة.. يبدو أن دير الزور تقع في أبعد نقطة في هذه القرية..أو أنها في قرية كونية أخرى..

إحصائيات:

عدد المقاهي 156 ــ دور السينما 2 ــ المراقص 5 ــ الخمارات 10  ــ مسرح لا يوجد ــ دور بيع كتب 1 ــ دور نشر 1...

 

■ عبد الكريم الخلف