الخندق الثقافي على جبهة الصراع

الخندق الثقافي على جبهة الصراع

مع ارتفاع حدة الصراع السياسي والدبلوماسي والاجتماعي تشتعل خنادق الصراع الثقافي هي الأخرى، ويشهد عالم اليوم صراعاً ثقافياً تصطدم فيه جبهتان كبيرتان، جبهة تمثل العالم القديم الذي لم يمت بعد، وجبهة تمثل إرهاصات العالم الجديد، وما بين الإثنين يرتسم خط فاصل دقيق هو خط الصراع والصدام، قد يبدو واضحاً أحياناً أو لا يبدو واضحاً أحياناً أخرى.

 

في مواجهة النموذج الثقافي الأمريكي القائم على النزعة الفردية، والسوبرمان المخلص تضع روسيا على جدول أعمالها الكثير من المهام الثقافية وفي مختلف المجالات.

ميثاق الأخلاق السينمائية

في صيف عام 2013، وبمبادرة من اتحاد السينمائيين في روسيا، بدأ ممثلو صناعة السينما في وضع مدونة سلوك، أو ما يمكن أن يسمى ميثاقاً أخلاقياً للإنتاج السينمائي. في محاولة لوقف سيل العنف على الشاشات الروسية، وتمرير نوع من الرقابة الأخلاقية على الإنتاج السينمائي.

ترجع بداية هذه القصة إلى عام 2011، لجهات في المؤسسات الرسمية الروسية، صُنّاع السينما، لوضع سقف من القواعد الأخلاقية لإنتاجهم، وفي نهاية يونيو/ حزيران، استجاب رئيس اتحاد سينمائيي روسيا، المخرج نيكيتا ميخائيلكوف، لهذا الاقتراح، وبادر إلى وضع مدونة سلوك، تكون بمثابة ميثاق أخلاقي لصناعة السينما.

كان من شأن هذا الميثاق المبني على قواعد المنطق السليم والإرادة الخَيِّرة لمبدعي الأفلام، أن ينزع التوتر من النقاش الدائر حول جواز عرض مشاهد العنف والقسوة في الأفلام السينمائية، حسب ما رآه رئيس نقابة المنتجين، رينات دافليتياروف. 

ووفقاً لهذا التوجه في السينما الروسية، يمنع في الأفلام تصوير الجرائم والرذائل بشكل يثير التعاطف معها. وأصبح محظوراً السخرية من القانون، وعرض مشاهد تعاطي المخدرات، والتعري أمام الكاميرا، والتطرق إلى الأديان دون الاحترام اللائق. وضمن هذه المحددات أنتجت روسيا عشرات الأفلام السينمائية سنوياً، تتضمن أيضاً الوقوف على ثلاث محطات تاريخية وهي: صد الغزو النابليوني والتركي لروسيا وثورة أكتوبر والنصر على الفاشية، بالإضافة إلى رد الاعتبار إلى التراث في الأعمال السينمائية.

يقول المخرج السينمائي أندري بروشكين: لقد كان عند الأمريكيين مثل هذا الميثاق، ولكنهم ألغوه في عام 1960، ليصبح محط سخرية العالم بأسره. أمَّا المؤرخ السينمائي سيرغي شيستاكوف، فيعتقد أن «الحرية المطلقة» تؤدي إلى عرض أشكال ممارسة العنف، والإثارة الجنسية، والتعبيرات الفظة، ولذلك فإن التنظيم الذاتي لصناعة السينما أمر ضروري. 

الموسيقى وأفلام الأطفال

خلال العقود الثلاثة الأخيرة، سادت مختلف أنماط الغناء والموسيقى الغربية في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، حتى أن قسماً كبيراً من تلك الأغاني كانت موجهة لمحاربة التراث والرموز الوطنية، والاجتماعية والقيم الإنسانية مثل فرقة «aph» وتاتو وغيرها. 

في مواجهة ذلك كان رد الاعتبار إلى الفن الشعبي الأصيل، والتراث الآيل للنسيان، وإحياء الأغاني المحلية التي تعود إلى مختلف الأزمنة، على رأس المهام التي جرى ترتيبها مؤخراً، وتعمل فرقة قوزاق الكوبان على إحياء تراث روسيا الجنوبية منذ عقدين لتذكير الناس بالجذور، كذلك فرقة الجيش الأحمر، التي تعد استمراراً لفرقة حملت الاسم نفسه في الحقبة السوفييتية، وظهرت فرق مشابهة في المقاطعات الروسية كلها.

حسب الناقدة السينمائية ماريا تيريشينكو، فإن أفلام الرسوم المتحركة المخصصة للأطفال على النمط الغربي، تساهم في تربية الأجيال بطريقة خاطئة، فهي مليئة بمشاهد العنف وترسخ الرموز الغريبة في أذهان الصغار.

وتشارك تيريشينكو في إعداد مشروع جديد لأفلام الرسوم المتحركة ليكون بديلاً عن النمط الغربي، هذا المشروع يحظر المشاهد المحرضة على العنف، ويستخدم التراث والحكايات الشعبية الروسية، والهدف منه أيضاً استخدامه في تربية الأطفال وترسيخ رموزهم الحقيقية عندهم.

إعداد البنى الفوقية 

كانت الثقافة التي هيمنت خلال العقود الثلاثة الماضية مرتبطة بنمط الحياة الاستهلاكية على الطريقة الأمريكية التي تمجد الفردانية والجريمة وغيرها، وقد عانت روسيا نفسها من تأثيرها الهدّام خلال عقود.

اليوم هناك توجهات رسمية للتوجه نحو الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي «الزراعي بالأخص»، ولتشجيع الشباب على الارتباط بالإنتاج الزراعي أطلق مشروع متكامل، لإعداد بنية فوقية وثقافة مرتبطة بالإنتاج تشمل السينما والموسيقى والصحافة والأدب، لتضاف إلى ما تملكه روسيا من خبرات وقدرات جامعية وعلمية في هذا المجال، مثل: أكاديمية موسكو الحكومية الزراعية التي تضم 67 كلية.