ملوحيات: من ذكرياتي حين لايكون المسئول في مستوى مسئوليته
كنت مديراً للمراكز الثقافية في سورية بين عامي 1965 ـ 1970. كان في المديرية شاب نشيط مثقف هو الأستاذ (محمد بقلة) وكان عمله قليلاً في المديرية. فكرت في مشروع ثقافي يوثق الحركة الثقافية في سورية ويمدها بمعلومات هي في أمس الحاجة إليها.
قلت لمحمد: أريد منك أن تفهرس كل الكتب التي صدرت في سورية منذ دخول المطبعة إليها منذ عام 1706م حتى اليوم.
بدء عملك ليس في الكتب التي صدرت أول دخول المطبعة، بل البدء من الكتب التي صدرت هذه السنة ثم الارتقاء من سنة إلى سنة حتى تصل إلى سنة دخول المطبعة.
تفهرس مافي دور الكتب الوطنية من كتب حسب سنوات الإصدار.
تزور المكتبات التجارية في المدن السورية.
تزور المكتبات الخاصة وتلتقي بأصحابها وتسجل ما أصدروه من كتب وما في مكتباتهم.
وبدأ الموظف العمل في نشاط وأصدر 4 مجلدات تفهرس الكتب الصادرة في السنوات الأخيرة. وفجأة زارني الوزير وسألني:
■ ماذا يفعل هذا الموظف؟
■■ وقلت في فخر، وظننت أني أقدم مشروعا حضاريا: إنه يفهرس الكتب الصادرة في سورية منذ دخول المطبعة إليها.
■ فإذا هو يقول لي بالحرف الواحد: شو ها العلاك. أرسله إلي.
وأرسلته إليه فضمه إلى ديوان الوزارة، وقضى على هذا المشروع الحضاري الراقي. وأعتقد لو أن العمل في المشروع منذ الستينات ظل مستمراً كما بدأ لأصبح عندنا فهرس كامل لكل ما صدر من كتب في سورية منذ دخول المطبعة إليها.
ماأشد خيبة الوطن حين يتولى المسئولية فيه من لايرتقي إلى مستواها.
■■ حاشية: كان المهلب بن أبي صفرة جاداً في قتال الخوارج وكتب إليه الحجاج يستبطئه، فقال المهلب:
إن البلية في أن يكون الرأي في يد من يملكه لافي يد من يبصره.
دمشق 2003/6/10
■ عبد المعين الملوحي
«شيوعي مزمن»