أوراق خريفية «كان…. ومازال!»

كان ياماكان، في جديد هذا الزمان، متنفذ كبير، اسمه حيتان..


يعمل بتهريب كل شيء، حتى الدخان. لديه مزرعة على قمة جبل الجان. تحيط بها أشجار البلوط والسنديان… وتسرح فيها الخنازير والغزلان. يستجر التيار الكهربائي، من أقرب خزان… ولكن ليس كغيره؛ بل بالمجان.

كلف موظف بهلول بسيط، لكنه ذو همة ونشيط، بتنظيم ضبط مخالفة، بحق هذا الشفيط.

وصل الموظف، الذي هو بالأصل محلف، واستأذن من الحرس، بقمع المخالفة بحرص. فضحك العسس،  واستغربوا مندهشين، وبصوت واحد بعقوا غاضبين: من أنت يا بهيم؟!

هل تعلم المكان الذي أنت فيه؟! فأجابهم بإباء: أنا موظف بالكهرباء! علمت أن هذه المزرعة، تتغذى بالتيار، ولم يجرؤ على الاقتراب منها لاطفل ولاختيار، منذ وصول الكهرباء إلى هذه الديار!

تقدم أحد الحرس وصرخ فجأة كالجرس: انقلع من هنا يا كحتان، وانفد بجلدك العريان، قبل استيقاظ حيتان، كي لايراك هنا، فتهان!

ابتسم الموظف المغفل وقال بمنتهى الجدية: لكنني بمهمة رسمية، ومعي بطاقتي الشخصية، أؤكد وبحسن نية، أنني سأقمع المخالفة الجرمية، وأربي أهم شخصية!

هجم الحارس برأسه الحليق، واندفع صوبه كالمنجنيق، وحمل الموظف الرقيق ورماه على بعد مترين أو يزيد، فحطم جسده الرعديد، وهدده بوضعه على الثريد.

صرخ الموظف متوجعاً، والدم ينزف من جسمه متسرعاً، وهمهم باكياً مودعاً:

لماذا يسرق معلمكم الكهرباء، وهو بمقدوره شراء مؤسستي الماء والضياء؟! أين العدالة يا جماعة… أقسم برب الكعبة ومن فرض الطاعة، أنني وحتى قيام الساعة. لن أنظم ضبطاً بفقير، ومهما كان سوء المصير. فلولا معلمكم وأمثاله الكثر، لكانت رواتبنا تزيد ونوفر. ولكانت إسرائيل، منذ أمد ليس بالقصير، أمام أنكر وأنكير.

لملم صاحبنا ذيول الخيبة، واتجه نحو طريق الأيبة، والتفت إلى المزرعة باحتقار، وزفر زفرة انقهار، وقال باختصار: من أين لك هذا ياحيتان؟! أليس غريباً أن تكون قريباً، مديراً عاماً،أو عضواً في البرلمان… عندئذ على الدنيا السلام.

■ ضيا اسكندر ـ اللاذقية