■ نبيل محمد ■ نبيل محمد

«زمن العار»: إعلان انهيار الشريحة الوسطى

أحياناً كثيرة نعتمد من أجل فلترة الأعمال الدرامية الرمضانية على أسماء الكوادر التي قدمت هذا العمل أو ذاك، من خلال الذاكرة التي نحملها حول أعمال هذا المخرج أو ذاك الكاتب، وبالضبط هذا ما يقود الكثيرين لمتابعة مسلسل «زمن العار» ولا نقصد هنا المخرجة رشا شربتجي، مع العلم أنها قدمت أعمالاً جيدة نسبياً، إنما ما يستثيرنا للمشاهدة هو كاتبا هذا العمل حسن سامي اليوسف ونجيب نصير، فقد قدما عبر تجربتهما في التأليف التلفزيوني والسيناريو تجارب درامية تعتبر من أهم وأرقى الأعمال الدرامية السورية في المرحلة الأخيرة أو بالأحرى من الأعمال الأقل انعزالية عن الحياة العامة، من «أيامنا الحلوة» إلى «أسرار المدينة» مروراً بـ«الانتظار» ووصولاً إلى «زمن العار».



لم ينطلق هذان الكاتبان من احتراف صنعة، بل من وعي لعضوية التلفزيون في المجتمع، ووظيفة الدراما ضمن وقت المشاهدة التلفزيونية، هذا الوعي يمكن أن نستنتجه من خلال تركيزهم على الوقائع اليومية والأحداث الحياتية في سورية، بشكل مشابه لما يجري، بل وملتصق بأحداث لا بد تشهدها مدينة دمشق.

«زمن العار» لم يطرح مقولةً كبرى أو مبدأً سخّر النص فيه لقول كلام معين أو التركيز على صورة معينة، فالنص لم يكتب ليقول كذا وكذا فقط، وإنما استنتج مقولته من تفاصيل الحياة اليومية، هذه التفاصيل، التي تشكل مجتمعة عمق الحياة وواقع المعيشة المحلية، والتي تتراكب فوق بعضها البعض لتشكل أزمة مجتمع بأكمله.

فها هي الطبقة الوسطى ـ عماد المجتمع من جميع الجوانب ـ تنهار وتتفكك ضمن تفاصيل البيئة المحلية، وإحباطات المجتمع والانفصام الحياتي وانعدام الشعور بالمواطنة.

ها هي الأسرة المتوسطة التي تبدو عريقة في توسطها اجتماعية على اعتبار أنها مؤلفة من عدة موظفين يسكنون بيتاً في حي المزرعة وسط دمشق، هذا البيت الموروث هو الذخيرة المادية الوحيدة التي يمتلكها سكانه، وهو أساس تواجدهم في صلب الحياة المدنيّة، وأساس من أسس تكوينهم الاجتماعي كطبقة وسطى، هذه الأسرة الوسطى التي لا بد لها من التأثر باليوميات الاجتماعية لتصبح عرضة للإنكسار التام، ابتداءً من بيع المنزل، إلى تهرّب الأب من مسؤولياته وتركه زوجته تموت بدم بارد، والابن الذي رباه والده على أخلاقيات العمل اعتاد الرشاوى، بالإضافة إلى الابن الأكبر منذر الأكثر اتزاناً في العائلة والذي يبحث عن بيت يستقل فيه وزوجته دون جدوى، أما المحور الأساسي للصراع الدرامي هي بثينة تلك الفتاة التي تحمل على عاتقها مسؤوليات المنزل كاملةً بما فيه مرض أمها، إلا أنها تجد نفسها قد كبرت دون أن تشعر بأنوثتها فتتجه نحو الشذوذ عن منطق الأسرة التي تعيش فيها لتجلب لهم «العار» وفق مفهومه المحلي، والبنت الصغرى ليست بعيدة عن هذا الدمار، فهي طالبة الجامعة التي تقضي معظم وقتها برفقة صديقها في النوادي الليلية، وبالتالي تحقق هذه الأسرة كتلة من الانكسارات لتعبر عن انكسار اجتماعي كبير يمس كل الأسر المحيطة بها، وكلٌّ وفق أسلوب حياته الذي لا يختلف عن الآخر كثيراً.

هذا العار هو ليس عار بثينة، بل هو عار مجتمع بأكمله لم يعد يحمل نظرية محددة للاستقامة الاجتماعية ولم يعد يعرف معالم واضحة للشذوذ أو الانحراف عن ركب الحياة السوية، إنه مجتمع ينبئ بانحلال أساسه الإجتماعي، مجتمع يتكون من طبقة فقيرة جداً وأخرى مترفة جداً، أما أساس بنائه أي الطبقة الوسطى هي الأكثر انحداراً إما باتجاه الفقر أو الغنى، وفي الحالتين هو انكسار العماد الأساسي للحياة الاجتماعية وضياع مدينة بأكملها وفق التخبط الحياتي المتوغل في كل تفاصيل الحياة المدنية في منطقتنا.