التمثيل بجثة السينما العربية تلفزيونياً
لا تخلو أية مادة سينمائية غربية من الاقتطاع الرقابي والحذف التعسفي عند عرضها تلفزيونياً على إحدى الفضائيات العربية المختصة بالسينما، ومن الجيد جداً وجود بعض الفضائيات التي تحاول تجاوز الحالة الرقابية بشكل بسيط من خلال الحفاظ على بعض المشاهد، إنما المثير للجدل هو الحذف والقص الذي يمارس على السينما العربية فضائياً، وهو ما يمكن ملاحظته في الفترة الأخيرة بشكل واضح وجلي للمشاهد، من خلال متابعة بعض الأفلام الجريئة إلى حدٍّ ما على فضائيات السينما العربية، ففي عرض فيلم «عمارة يعقوبيان» على «روتانا سينما» تم حذف مشهد من أهم مشاهد الفيلم، وهو للفنانة هند صبري عندما يفرغ رب عملها عقده الجنسية فيها بصورة بدائية، وحذف هذا المشهد بالذات يؤدي إلى تضييع معنى عدد من المشاهد التالية له، فالكثير من تصرفات البطلة بعد هذا المشهد مستوحى من حالتها فيه، تلك الحالة المتمثلة في مشهد صغير ليس ضاراً أخلاقياً إلى هذه الدرجة التي تؤدي إلى حذفه، فعلى سبيل المثال لا يظهر من خلال هذا المشهد أي عضو جسماني معين وإنما هو تمرير لحالة معينة بلعبة إخراج يقدر فيها المخرج من تمرير المشهد على الرقابة، وربما ليس هذا فقط هو القصد من ذلك وإنما وجد المخرج نفسه مضطراً لأداء المشهد على هذه الشاكلة لأنه ليس بالإمكان عربياً تصوير مشهد أوضح من هذا بفعل أن السينما العربية لم تصل بعد إلى حد تجاوز أزمة الرقابة الشكلية والفكرية.
كذلك الأمر بالنسبة لفيلم «بحب السيما» الذي عرض منذ فترة قريبة على فضائية «ميلودي أفلام» حيث تم اقتطاع جزء من مشهد مهم جداً في الفيلم يدور حول حوار بين طفل وطفلة في المدرسة ويعتبر هذا المشهد من أهم مشاهد الرسالة الجمالية والفنية الاستثنائية في هذا الفيلم الاستثنائي.
وفي فيلم «مذكرات مراهقة» يبدو الحذف أكثر حماقة وبلاهة، لأنه يتضح مرور مشهد معين تم اقتصاصه رقابياً، وبذلك يطول التصرف أغلبية الأفلام العربية التي تعتبر من أهم الإنتاجات السينمائية، والتي تخرج من الصورة الكلاسيكية للسينما المصرية جزئياً، وتحقق رسالة حقيقية متفردة على جميع الصعد مقارنة بالمستوى السينمائي الهابط الذي يسود في إنتاج السينما العربية في هذه المرحلة.
قد يرى الرقيب بأن عرض السينما تلفزيونياً يستدعي التصرف بالمشاهد والقص على اعتبار أن الجمهور لم يعد منتقى أو مختار كما هو خلال العرض في صالة السينما لذا يجب إجراء رقابة على الأفلام خوفاً من متابعتها لمن هم غير مهيئين لحضور هكذا مادة، وهنا نرد بأنه ما دامت السينما أصبحت مادة متوفرة تلفزيونياً مع أن أساس عرضها هو شاشة السينما، إلا أن وجودها على الشاشة الصغيرة يستدعي تقديمها بحلتها الكاملة وخاصة عربياً على اعتبر أن أفلامنا تشبه عقولنا رقابياً، والقص والحذف قد يلغي مكنونات كثيرة في هذه المادة التي من غير المهيأ للمشاهد العربي مشاهدتها كاملةً على اعتبار أن السينما كسينما لم تعد من عادات المواطن العربي، وما دام التلفزيون قد حل مكان كل شيء، فلماذا ما زالت كف الرقيب تطول المادة الفنية «اللا سياسية» والصورة الجمالية «اللا فضائحية»، وإن كانت الرسالة السينمائية تقدم ما يجب عدم تقديمه فمن الأجدر ممارسة الرقابة على المواد التلفزيونية الأخرى التي تستعرض الإنسان دون أدنى رسالة.
وما دامت الفضائيات باتت تعرف بأن السينما أصبحت مادة تلفزيونية فلتقدمها بحلتها المتكاملة، وإلا فإن هذا المنظور غير ثابت وغير موثوق به ما دامت المادة مفتقدة لتكاملها في عرضها التلفزيوني، ومن هذا المنطق تكون تلك الممارسة هي اعتراف ضمني من السلطات الفضائية أن السينما مادة لا تعرض تلفزيونياً.