ريم كيلاني: إسرائيل تسرق ثقافتنا
الحفلات المتفرقة التي أحيتها الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني في السنوات الأخيرة كانت بمثابة مفاجأة للجمهور السوري، فريم لم تغنِ وحسب، بل رقصت وعزفت. هكذا هي دائماً ما تشعل القلوب بأغانيها الفلسطينية الشعبية التي تعيد توليف كلماتها، وتأليف موسيقاها، في خليط فريد من نوعه، لكن الإحساس بالاستهجان سرعان ما يزول حين نعرف أن هذه المرأة الفلسطينية الأم والأب التي ولدت في مانشستر ونشأت وتعلمت في الكويت، ثم أقامت في بريطانيا منذ عشرين سنة، لن تكون إلا نتاجاً لهذا الخليط. وعن هذه الصيغة الغنائية تقول لـ«قاسيون»: «هذه الصيغة هي التي وجدتني ولست أنا من وجدتها، بحكم أني تعلمتُ العربية والانكليزية في الوقت نفسه. ثم إن ظرفي الشخصي جعلني أتعرف على العوالم الغنائية لكل من هاتين اللغتين، ومن الطبيعي أن أدمج الجاز مع التراث الشعبي الفلسطيني».
تأخرت ريم كثيراً في إصدار مجموعتها الأولى «الغزلان النافرة» التي لم تصدر حتى 2006، بعد عشرين سنة من الشغل والكدّ: «تأخرت لأني آخذ وقتي في جمع الأغاني وفي التدريب عليها وتوزيعها ثم أقدمها في حفلات ومهرجانات، وعندما أشعر أن الفكرة تخمرت أسجلها، والسبب الآخر هو العائق المادي فأنا فنانة مستقلة، لا توجد لدي شركة تسجيل لا هنا ولا في الغرب، وليس لدي أي دعم لا سياسي أو فني أو تجاري، لذا أنا مضطرة للعمل في الترجمة بالإذاعة لأجمع تكاليف عملي». وكذلك هي تعاني من عدم وجود تعاون من الفنانين العرب المغتربين وذلك «لأن تفكير أغلبهم منصب على كم سيُدفع لهم».
لكن ماذا عن المادة الخام لهذه الأغاني؟ بمعنى كيف كان لها أن تجمع كل هذا القدر وهي تعيش خارج بلادها، في حين أن هناك مؤسسات فلسطينية تعمل على توثيق الذاكرة والتراث الشعبيين ولا تستطيع الوصول إلى ما لدى كيلاني؟؟ تجيب: «منذ طفولتي وأنا أسمع عمتي وهي تغني الـ«فراكيات» (أغاني الفراق) ومع أن اللحن لم يكن مهماً كنت أشعر بإغراء الصوت والكلمات. من جهة ثانية قمتُ ببحث ميداني في المخيمات، والتقيت بالكثير من الأمهات الفلسطينيات اللواتي أعطينني الكثير من أغانيهن الحزينة التي يغنينها في الأعراس». وقد جاء عنوان أسطوانة «الغزلان النافرة» من لقاء ريم بامرأة فلسطينية في أحد المخيمات، وقد غنت لها تلك المرأة مقطعاً غنائياً قديماً لأنه يتضمن اسمها، لاحقاً سيتحوّل المقطع إياه إلى مطلع للأغنية التي ستستلهم منها عنوانها. يقول المقطع: «آه يا ريم الغزلان/ ياللي عالسفر ناوي».
ريم كيلاني مأخوذة بالأم الفلسطينية التي تجمع بين الأسى والفرح، ولهذا كان ألبومها «الغزلان النافرة» مهدى «إلى الأمهات الكبيرات اللواتي علمنني الغناء». أما ألحان هذه الأغاني فإما أن تعيد توزيعها أو أن تلحنها من جديد.
تأسف المغنية لحال الفنانين العرب الذين يشتغلون بطريقة ترضي دعوات مهرجانات «موسيقا العالم»، وفي الوقت نفسه تأسف لغياب اهتمام العرب والفلسطينيين بموسيقييهم على العكس من الحكومة الإسرائيلية: «الإسرائيليون ممتازون مع فنانيهم وهذا يؤذينا، لأن منظمي المهرجانات باتوا يقلصون من العرب ليقلصوا التكاليف، بينما تحفظ الحكومة الإسرائيلية مقاعد فنانيها». الأنكى أنه فوق هذا كله «كل ما هو عربي صار إسرائيلياً» تقول ريم، ثم تتحدّث عن السرقات الإسرائيلية الموصوفة للتراث العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً: «عندما تحضر مباراة في إسرائيل تجد الجمهور يشجع فريقه بالدلعونة، لحن الدلعونة يضعون له كلمات عبرية، وكأنه صار لهم. هناك أغنية فلسطينية معروفة تقول كلماتها: «يامريومة بالهدّومة/ سبع هدوم مفصلات» أخذوا لحنها ووضعوا له كلمات عبرية. الدبكة أيضاً سموها «دبكوت».. أنا لا أكره الآخر. هناك تراث يهودي بالتأكيد، فاليهود كانوا من أهم الموسيقيين في العراق لكن أنْ يصبح لإسرائيل تراث منذ ستين سنة فقط فهذا لا، وألف لا».
ستقدّم ريم كيلاني مشروعها الجديد قريباً، وهو نتاج سبع سنوات من العمل على تراث سيد درويش الذي تريد تقديمه من منظور شامي، من خلال العمل عليه موسيقياً بروح بلاد الشام، خاصة وأن سيد درويش عاش ردحاً من حياته في «برّ الشام». المشروع الجاهز هو الآخر بحاجة إلى تمويل، لكن كيلاني ستغامر.
لاشك أن مشروع ريم كيلاني الغنائي والموسيقي الوطني ذو أهمية عالية، ولكن ما يعززه ويمده بالدعم هو ظهورها الشخصي، وقوة حضورها على المسرح، بوصفها صورة مكثفة لنساء فلسطين.. وهي الصورة التي تعتبرها الإنجاز الأهم