ماذا تقول يا صاحبي الخبر والإنشاء

- الكلام في لغتنا العربية نوعان خبر وإنشاء، والخبر كما جاء في علم المعاني: هو الكلام الذي يحتمل التصديق أو التكذيب، كأن تقول: «باريس مربط خيلنا، أو «اليد المنتجة هي اليد العليا في دولة . .. . . » أو «اقتصادنا قوي ولاخوف عليه»، فأي من هذه الجمل يصح أن نقول لقائلها إنك صادق أو كاذب فيما تقول!!

●  وكيف لنا الحكم بصدق أو كذب كلامه؟

- الحكم الفيصل في صدق الكلام هو مطابقته لواقع الحال، فإذا كان اقتصادنا قوياً ولاخوف عليه، فالواقع المعاش المحسوس الملموس يقدم ألف دليل ودليل عى صحته،، فترى الزارعة مزدهرة والفلاح سعيداً، وترى التجارة تصديراً واستيراداً على قدم وساق، وترى الصناعة والإنتاج فائضين يلبيان حاجة الوطن والمواطنين وزيادة . . .، فلا أزمات خانقة ولابطالة مستشرية ولا لصوص ضوار، ولابطون خاوية. وبتعبير اقتصادي بحت «لابطون إلا مكتفية» وكلمة «مكتف» هي اسم فاعل من فعل اكتفى من الاكتفاء، وهو تعبير ابتدعه جهابذة الاقتصاد في بلادنا للدلالة على أن «المواطن» ليس فقيراً، أي أنه غني لايحتاج الآخرين. وهذا التعبير هو واحد من تعبيرات خجولة تتحاشى أن ترسم الواقع بحقيقته المرة المؤلمة، فالفقير المحروم المظلوم  المنهوب يعبر عنه بكلمتين: «غير مكتف» بينما  المستغل الناهب البطر الأشر الحوت الطافي على وجه الماء أو الغائص في العمق هو «مكتف» غير محتاج للآخرين!!

●  هذا عن الخبر، فماذا عن الإنشاء . . أفدنا جزيت خيراً؟!

- الإنشاء هو الكلام الذي لايصح أن نقول لقائله إنه صادق أو كاذب فيما يقوله، ومثال ذلك القول: «كم سيتحمل المواطن المسكين من هم ومنغصات وقهر؟». فأنت لا تستطيع أن تقول لمن يردد هذا القول: إنك صادق أو كاذب، لأن القائل يسأل، والسؤال والاستفهام والرجاء والتمني وحتى النداء هي من أنواع الإنشاء، كما جاء في باب المعاني في علوم بلاغتنا العربية.

●  إذن . . وعلى هذا الأساس والمنوال فكلامنا أي كلام المواطنين هو كلام إنشائي لأنه في غالبه استفهام وسؤال ونداء، بينما كلام المسؤولين و «أولي الأمر» فكلام خبري يملأ نشرات الأخبار المقروءة والمسموعة والمرئية صباح مساء.

- نعم نعم . . . استنتاجك صحيح وإليك بعض الشواهد على صحة هذا الاستنتاج. يقول رئيس الوزراء: «مسيرتنا التنموية مستمرة وفق ماهو مخطط لها، و اقتصادنا قوي ومتين» وكذلك يقول: «سورية جادة في تحقيق الأهداف التنموية الألفية بصورة كاملة مع قدوم عام 2015»، ويقول نائب رئيس الوزراء: « إن الاهتمام الحكومي بقطاع الاتصالات والمعلومات إنما يأتي من إيمانها بالأهمية الكبيرة التي يلعبها ولاسيما من ناحية كونه يتبع لمعدل نمو مرتفع تزداد أهميته»، كما يقول وزير المالية:«أقول لكم بصراحة ومسؤولية إننا لو تركنا فقرة في هذا القانون تقول بأننا نعفي العقارات المخصصة للسكن لأصبحت كل عقارات القطر سكنية ونكون بذلك قد فتحنا باباً للفساد في حين أن هذا القانون هو لسد كل نوافذ وأبواب الفساد التي تتم».

●  إذا كان الأمر هكذا فاعذرني يا صاحبي إذا قلت: «إن ماجاء في علم المعاني من أن الكلام خبر وإنشاء، هو أيضاً كلام يحتمل التصديق أو التكذيب، ولكن المهم المهم برأيي المحصلة التالية: إذا كان الاستفهام والسؤال والنداء والاستغاثة والتوسل كلاماً إنشائياً لايطعم أو يسمن أو يغني من جوع فإن الأمر والنهي والتقرير والحسم والبت ستصبح أخباراً تحتمل التصديق، والتصديق فقط إذا كان وراءها  مواطنون يطالبون بحقوقهم، ولن يموت حق وراءه مطالب، فماذا تقول يا صاحبي؟!

 

■ محمد علي طه