حكاية من أطراف حي الزهراء الطرف الذي صار له أطراف..!

ما كان تركس البيروقراطية يغير زيته من عيار 40 شاقل قبل الإغارة على بيوت ضاحية حمص المسماة «حارة الطب»، كانت رائحة الباذنجان المقلي تفوح من منزل أم علي.

وحارة الطَّب وهي منمنمة شعبية من السكن العشوائي على أطراف حي الزهراء في مدينة حمص الذي كان بدوره سكناً عشوائياً متطرفاً عن حي باب تدمر، وأصل التسمية «الطب» لم تأت من الطِّب فسكانها الذين حلموا بأن يدرس أبناؤهم الطب وكافحوا لأجل ذلك بأظافرهم لم يكن بينهم طبيب واحد، بل أتى من طب البلوك الإسمنتي (الحجر) الذي يسميه أهل الحي «خفّان» فوق بعضه البعض بدلاً من بنائه مستنداً إلى أعمدة وأساسات مسلحة، كان بناء الطب النظير لكوخ الصفيح في أفريقيا أو أمريكا اللاتينة مدخلاً لتحويل البيت مستقبلاً إلى غرفة مسقوفة بالتوتياء تمهيداً لصبها بالبيتون المسلح، وإضافة غرف أخرى إليها مستقبلاً. 

علوش يعود من مدرسته: جوعان يا أمي.. تعد له أمه سندويشة من شرائح الباذنجان المقلي مدعومة بالبندورة، مرشوشة بالملح التدمري غير الميود، الذرة منه تضاهي بحجمها بحصة، تلفها بصفحة من كتاب القومية للصف التاسع لشقيقته التي لم تفلح بعد تقديم الامتحان بالنجاح مرتين قبل أن يأتي نصيبها وتتزوج، يسرع علوش بالخروج من المطبخ وقد بدأت نقاط الزيت تبلل صفحة فيها أقوال مأثورة لجنرال، قبل أن تسقط إحداها على صداره المدرسي.

لا وقت للمنفى، يدرك علوش كأحمد الزعتر في قصيدة محمود درويش، أن الآليات قادمة نحو المخيم - الحي لا محالة، ينتهي من جمع المال اللازم لتمويل شراء سلاحه الكيماوي المضاد للتريكسات، ليرتان سوريتان من كل أسرة، تكافل الجميع في جمعها لشراء السلاح تمهيداً لخوض المعركة المصيرية الكبرى، المعركة الحقيقية التي ضاعت في صخب الاستعداد لمعارك الجنرالات الكبرى،علوش يفرك كفيه في الخندق، علوش يقبض بيديه على الليرات الفراطة كفلسطيني على حجره استعداداً لملاقاة الآليات الثقيلة، يدسها في جيبه، ينسى أنه ممزق!! تتسلل الليرات نحو قدمه اليمنى وتدخل بعضها في حذائه الغوما، تباً سيضطر علوش لخلع حذائه أمام صبيان وبنات الحارة وسينكشف جوربه الممزق، يتذكر بقلق ساعة انكشف جوربه يوم قام المدير برفعه فلقة بعد مشاجرة شرسة، لم يكن ألم عصا المدير تؤلمه أكثر من انكشاف عورة قدمه أمام بنات الصف السادس، يدس يده في جيبه يهزه جيداً لتتساقط الليرات نحو الأسفل.. يخلع حذاءه سريعاً ويلم الليرات ويدسها في جيب صداره المدرسي وينادي على رفاقه: جهزوا الصور ريثما نعود.

ينطلق الأطفال لشراء سلاحهم الكيماوي الذي سيوقف تريكسات الحكومة، معركة غير متكافئة نظرياً تريكسات وحكومة ودولة من ناحية، ومن ناحية أخرى بيوت مخالفات وسكانها العزل، لكن لعلوش ورفاقه رأي أخر وروحهم الماركيزية - لم يسمعوا بماركيز ولا بماركس حتى - تبدع سلاحاً جديداً لما يدخل بعد أكاديميات السياسة والديمقراطية وحقوق الإنسان..

يجهز أطفال الحي الصور ريثما تعود الطليعة الثورية التي ذهبت لشراء السلاح.

بعد دقائق عادت الطليعة الثورية وعلوش يسابق الريح في المقدمة يحمل علبة دهان السيراقون الأحمر وفرشاة قياس 2.5 إنش رديئة صينية الصنع، يتحلق الجميع حوله، يفتح العلبة مزهواً بانتظار إحضار قنينة الكاز الذي عليه أن يمد السيراقون به ليتمكن من استعماله جيداً كما قال له البائع، يقول لهم سنخطط مرمى الملعب على حيط بيت «أبو أحمد» وحيط بيت «أبو ياسر»، لن نختلف بعد اليوم على الكوال" وفاتت الطابة وما فاتت، يشتد حماس الأطفال لهذه التطورات، إنه التفاؤل الثوري ولاشك فمعركتهم مع التريكس ستتكلل بالنصر لا يشكون بذلك، وإلا كيف يتعالى صياحهم بتخطيط المرمى على جدار مهدد بالهدم بعد قليل! يخلط علوش السيراقون بزيت الكاز بعناية وأناة فأي إخلال بالمقادير قد يكلفهم غالياً يجب مزج الخلطة جيداً لتكون ظاهرة بشكل واضح يمكّن من وقف التريكس، وجعل الخسائر المتكبدة في أدنى حدودها، يحرك علوش الخلطة جيداً بقضيب كسره من قالب الخشب لجارهم نجار الباطون، ثم يبلل الفرشاة ويشبعها بالمحلول ثم يلطخ بها جداراً بعيداً عن بؤرة التسديد التي اقترحوها لمواجهة تريكس الحكومة، لطخ الجدار بالفرشاة يمنة ويسرة، شع اللون الأحمر، صرخ الصبيان والبنات:  هييييييييييييييييييي

عاد علوش ليخط بخطه الذي لم يعجب المعلمة يوماً... حــــي ا لــبــا ســــل

اصطف أطفال حارة الطب، حي الباسل لا حقاً، أمام تريكس الحكومة يرفعون الصور ويهتفون، عراة كانوا إلا من الكلمة السحرية التي خطوها على جدار الحي، ومن الصور التي أوقفت تريكسات الحكومة، سبايا كانوا لثقافة الصورة – التميمة..

 

  باسل ديوب