السينما الإيرانية في ظل الالتزام والضوابط الصارمة والإمكانات الضئيلة

 كل يوم تتحفنا شركات الإنتاج الضخمة في العالم السينمائي بأفلام جديدة غالباً ما تتميز بالإثارة والعنف والأكشن غير المبرر وبالطبع الكثير من الدماء، ساعية وراء الربح كأي تاجر من التجار... بدون مبالاة أو أدنى مسؤولية عن النوع أو الفكرة المطروحة أو... أو... والكثير من إشارات الاستفهام المرسومة حول هذه الأفلام.

ولكن بالمقابل هناك الكثير من المؤسسات السينمائية والتي لابد من للحديث عنها كظاهرة هامة استطاعت أن تضاهي الكثير من الأفلام التي تنتج بأرقام خيالية أحياناً والمتاح أمامها إمكانيات مذهلة، من أمثال السينما الإيرانية بإمكانياتها المحدودة، ولا يمكن لأحد أن ينكر مدى النجاح الذي حققته هذه السينما في الآونة الأخيرة الذي كان أحد مظاهره الوصول إلى الأوسكار مثل ترشيح فيلم «أطفال السماء» لجائزة أفضل فيلم أجنبي عام 1997 أو الحصول على السعفة الذهبية من خلال فيلم «طعم الكرز» أو جوائز المهرجانات الأخرى مثل فيلم «صبغة الله» و«اللوح الأسود» و«زمن الخيول السكرانة» و«ليلى» و«يوم الجمعة» وغيرها الكثير من الأعمال...

فضلاً عن الشهرة الكبيرة التي حققها العديد المخرجين على المستوى العالمي أمثال: «محسن مخملباف وابنته سميرة، ومجيد مجيدي وعباس كياروستامي وحسن يكتبانه» وآخرين....

ما الذي يميز السينما الإيرانية؟

عند مشاهدة الكثير من الأفلام الإيرانية سيلحظ المتابع الالتقاط المبهر الذي تقوم به الكاميرا لتعبر عن أبعاد عميقة داخل نسق الفيلم، فهي سينما قد استغنى مخرجوها عن الكثير من الجمل «الثرثرة»  ليعتمدوا على الإيحاء والترميز بصورة واضحة من خلال توظيف كاميرا التصوير توظيفاً رائعاً، التي قد تفرض على المشاهد تركيزاً عالياً لمتابعة هذه التفاصيل، وهذا ما يجعلها تقدم بديلاً يتناسب مع نسقها العام بعيداً عن الـ «Happy End» ولقطات الأكشن والإثارة الهوليودية.

ومن أهم ما يميز أفلام السينما الإيرانية هو تلك الأبعاد التي تحمل عمقاً مدهشاً يقوم بعكسها فريق العمل كاملاً بشكل رائع وبطرق إبداعية ولماحة تُشعرك دائماً بأن هناك نكهة خاصة تحملها بين سطورها، والحقيقة أن هذه الأبعاد تتنوع كثيراً مابين الفكرية والاجتماعية والروحية والسياسية....

كما تتميز بإبداع أبطالها، الذي يعكس مدى قدرتهم على استيعاب الشخصية والغوص في أعماقها وتجسيدها بالشكل الذي يوصل الفكرة التي يتجول حولها السيناريو بأسلوب خلاق. تقول الممثلة الإيرانية «بيجاه أهنجراني» بطلة فيلم «فتاة تائهة» والحاصلة على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي عندما سئلت عن تكرار مشهد السير على حافة الرصيف في الفيلم... هل له معنى؟ فأجابت : «نعم، المعنى هو ذلك التردد والحيرة التي تغلب على الشباب وهم أغلبية المجتمع الإيراني، بين القديم بتقاليده المحافظة، والجديد بتغيراته المتلاحقة لأنها السير المضطرب في عالم التوتر».

والمتابع للسينما الإيرانية سيشهد حضور البعد الديني بشكل كبير... ليس في المقدمة التي تبدأ غالبا بالبسملة فحسب، وإنما في بعض المشاهد التي تعطي انطباعاً عن ارتباط الرجل الإيراني بدينه، وإجبار الممثلات على ارتداء الحجاب حتى أمام أزواجهن. إن القيود الدينية والتقاليد الاجتماعية، والخصوصية الصارمة لهذا المجتمع، التي قيدت بها السينما الإيرانية، لم تكن من جانب آخرسوى دافع لتفجير مكامن الإبداع من خلال الفكرة والإخراج والمعالجة، وهناك ميزات أخرى تتمتع بها السينما الإيرانية على الكثير من السينماءات الأخرى كانت أيضاً سبباً أكيداً في نجاح هذه السينما.

من السينما الإيرانية

لقد أصبح استخدام الممثلين غير المحترفين سمة مميزة للسينما الإيرانية، ففي «زمن الخيول السكرانة» لـ «بهمان قبادي» الذي يركز على عمالة الأطفال المنتشرة بشكل كبير في إيران، ما كان الممثلون إلا السكان الأصليين للقرية، حيث تدور الأحداث ذاتها للفيلم...

وفي فليم «باران» لمجيدي (2001)، تدور الأحداث حول الأفغان الفارين من النظام الطالباني، ومعاناتهم والفقر الذي يعايشونه بشكل غير منقطع، حتى في أقل التفاصيل. «باران» التي اضطرت للعمل بأعمال البناء المجهدة مكان والداها «نجف»، مخفية جانبها الأنثوي الرائع، لتبرز قدرتها على تحمل مسؤولية عائلة بأكملها كرجل...، «لطيف» اليافع الذي فعل كل ما أمكن لمساعدتها دون أن يشعر أحد بأنه الوحيد الذي كشف سر «باران»...، مجيدي، استطاع في هذا لفيلم أن يصنع من أنثى بسيطة، «باران» الرائعة، بكل تفاصيلها ...

فيلم «صبغة الله» يحكي هذا الفيلم قصة صبي أعمى يقضي إجازته الدراسية مع جدته وأختيه ووالده الذي يبدو متبرماً من هذا الوضع منشغلاً عن ولده بمشاريعه الخاصة..... كان هذا الولد الأعمى يتحسس جمال هذه الحياة في كل حركة.. كان يلامس أطراف النبات والأعشاب وحصى البحيرات بأنامله الصغيرة... وكان يستمع إلى طير نقار الخشب محاولاً فهم ما يقوله......

في هذا الفيلم قدم مجيدي مفارقة غريبة بأن يكون اسم الفيلم «صبغة الله» ويكون بطله صبي أعمى! وكلنا يعلم أن اللون لا يمكن أن يُدرك إلا بالنظر والإبصار!! وكأن مجيدي يريد لنا أن نقرأ بين سطور الفيلم ما معناه أن للعالم وجهاً آخر، لا يراه البشر بأعينهم وإنما بالبصيرة التي هي إمام البشرية، لقد كان فيلما شفافاً يوقظ في نفس المشاهد مشاعر مختلطة بين الحب والغضب ومنظوراً آخر لتذوق الجمال من حولنا في أقسى الظروف بتفاصيله الخلابة.

وأيضاً «أطفال السماء» وهو فيلم درامي بنكهة كوميدية بعض الشيء، في محاولة لكشف الواقع الاقتصادي السيئ في المجتمع الإيراني من خلال قصة طفل يضيع حذاء أخته ويخشى أن يعرف والده مما يضطره لإعطاء حذائه لأخته لتذهب للمدرسة وينتظرها حتى تخرج ليأخذ الحذاء بدوره ويركض إلى مدرسته متأخراً!!

«مجيد مجيدي»

علم من أعلام السينما الإيرانية

يطلقون عليه «مجيد مجيدي اللامع»، من أكثر المخرجين الإيرانيين حنكةً وتحكماً.

ولد في طهران عام 1959، بدأت أعمال مجيدي السينمائية بالظهور مع بداية الثمانينات وكان له؛ الموت الآخر (1982)؛ عينان عمياءان (1983)؛ مقاطعة (1985)؛ طالما العين ترى (1989)؛ سباحة في الشتاء (1991).

ومن أفلامه القصيرة: يوم من الامتحان (1988)؛ المستوطنة الأخيرة (1993)؛ الله يجيء (1995).

من أهم ما أخرج مجيد مجيدي في الأفلام الطويلة: الأب (1996)؛ أطفال السماء (1997)؛ صبغة الله (1999)؛ باران (2001)؛ شجر الصفصاف  (2005) الذي نال جائزة لجنة التحكيم لهذا العام في مهرجان دمشق السينمائي.

حصد مجيدي العديد من الجوائز لأفلامه في إيران وعدد من المهرجانات السينمائية الدولية... ربح عدة جوائز وطنية عن فيلمه «بوداك» في 1992. وعن فلمه الثاني «الأب» (1996) حصد عدة جوائز في إيران وفي مهرجان في «سان سيباستيان» السينمائي. وفي عام (1997) حاز فلمه «أطفال السماء» في مهرجان «مونتريال» السينمائي الحادي والعشرين على جائزة أفضل فلم. وبعد سنتين استلم فلمه «صبغة الله» الجائزة ذاتها حيث كان ذلك حدثاً لا سابق له بأن يحوز المخرج ذاته على جائزة أفضل فلم مرتين على التوالي.

فلمه أطفال السماء، ربح الجائزة الرئيسية في مهرجان مونتريال السينمائي ورشح لأوسكار أفضل فلم أجنبي.

وأخــــــيراً: ماقدمته هو انطباع ونظرة خاصة لهذه السينما، أخشى أني لم أعطها حق قدرها، والتي بحق تستحق الحديث عنها كثيراً... أما الشيء الأهم فهو أن مشاهدة أفلام للسينما الإيرانية أمر في غاية الأهمية لمتابعي السينما العالمية، حيث تعطيك شيئاً لن تجده بالتأكيد في سينماءات أخرى.

■ اسماعيل سويلم

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.